التاريخ: 2025-03-11 22:11:16

  كتب العقيد علي العمله 
مدير دائرة التوجيه السياسي والمعنوي
منذ اللحظة التي تلقينا فيها خبر رحيل الرائد حافظ محمود حسين اقطيط الحريبات من مرتبات المباحث العامه-الخليل، خيّم الصمت على المكان، وتجمدت الكلمات، وتعطّلت العبارات، كيف للكلمات أن تواسي هذا الفقد؟ وكيف للسطور أن تحمل ثقل الغياب؟ فقدك يا حافظ ليس مجرد حدث عابر، بل هو فراغ لا يُملأ، وجرح لا يلتئم.
الرائد حافظ، ذلك الاسم الذي لطالما كان رمزًا للصدق والشجاعة، كان شعاعًا من النور وسط الظلمات، حافظًا لدينه، لوطنه، لأخلاقه، ولرفاق دربه، طيلة سنوات خدمته، حمل في قلبه حب وطنه فلسطين وليس سواها، وأدى واجبه بكل إخلاص، لم يعرف التردد أو التراجع، ولم يتوانَ يومًا عن تقديم العون لكل محتاج، كان حاضرًا دائمًا في الميدان، مقدامًا في المهام، لا تهزّه التحديات ولا يعرف المستحيل.
كانت نبرة صوت حافظ حازمة تحمل بين طياتها الرحمة، وفي عينيه كان يلمع الإصرار الذي لا ينكسر، فلم يكن حافظ مجرد ضابط يؤدي عمله، بل كان إنسانًا يفيض شهامة، يسبق الجميع إلى مساعدة الضعيف، وينثر طيبته أينما حلّ، بل كان ضوءًا في دروب من حوله، وكانت ابتسامته عزاءً لكل متعب، ويداه تمدّان الأمل لمن ضاقت بهم السبل.
ورغم معاناته الصحية، ظلّ صامدًا، مبتسمًا في وجه الألم، لم يتذمر يومًا، ولم يسمح لمرضه أن يمنعه من أداء رسالته، كان يقول كلما ألزمه المرض الفراش"أيام قليلة وأعود.. لن أتوقف"، وكان يعود كما وعد، شامخًا، لا يعرف الاستسلام، مؤمنًا بأن رسالته أكبر من أن يعيقها المرض.
زملاؤه ومحبيه اليوم ينعونه بحزن وألم، قائلين: فقدنا أخًا كان رمزًا للوفاء، وضابطًا مخلصًا لا يلين، عاش عصاميًا، ومضى تاركًا خلفه إرثًا من العطاء لا يندثر، لم يكن يبحث عن مكافأة، بل كان يرى السعادة في عيون من يخدمهم، كان يرى في عمله رسالةً ساميةً لا وظيفةً عابرة، وكان يحملها بحبٍّ وتفانٍ حتى اللحظة الأخيرة.
أما عن أسرته، فقد كانت لهم الحكاية الأجمل في حياته، كان أبًا حنونًا لثلاثة أبناء وثلاث بنات، عاش لأجلهم، زرع فيهم القوة، وغرس في قلوبهم قيم العطاء والكرامة، كانوا فرحه وسنده، وكان لهم ملاذًا آمنًا لا تهزه العواصف.
واليوم، إذ نودّعك يا أبا محمود، نقف عاجزين أمام وجع الغياب، لكنك لم ترحل حقًا، فذكراك باقية في قلوبنا، وصورتك محفورة في وجداننا، وسيرتك العطرة ستظلّ نورًا يرشد زملاءك على درب الإخلاص والتضحية.
وإن كانت الحياة قد غيّبتك عنّا بالجسد، فإن كلماتك الأخيرة التي اطلقتها ستظلّ وصيةً نحملها في قلوبنا:
"أصدقائي وزملائي الأعزاء... إن الحياة لا تنتهي إلا إذا توقفنا عن العطاء، وها أنا اليوم أترك فيكم شيئًا من قوتي، من إيماني برسالتنا المشتركة، من حلمنا جميعًا في بناء هذا الوطن،فمهما كانت الأوقات صعبة، فلتستمروا في مسيرتكم بكل عزيمة، ولتظلّوا أملًا لأبناء شعبكم، واصلوا المسير، فلكم أمنيتي بأن تبقوا على العهد، على الأمل، وعلى قيمنا التي لن تموت."
وها هم يا حافظ زملاؤك ومحبوك يخاطبون روحك الطاهرة اليوم، قائلين:
نم قرير العين، فنحن على العهد باقون.
رحمك الله يا حافظ، وأسكنك فسيح جناته مع الشهداء والصالحين، وجمعك بمن سبقوك من رفاق الدرب.
              إنا لله وإنا إليه راجعون.