التاريخ: 2025-01-17 10:08:53
بقلم: المساعد أول: رولا تلباني
منذ أن التحقت بصفوف الشرطة الفلسطينية، وأنا أطمح للتميز في مساعدة إخوتي من أبناء هذا الشعب الصامد على هذه الأرض المباركة. خلال هذه الفترة، تلقيت العديد من الدورات والبرامج التدريبية المتخصصة. ومع ذلك، كنت أشعر أن هناك شيئاً ينقصني، لم أعرف ما هو، حتى خضت تجربة لم أتوقع أنها ستشد انتباهي وتملؤني شغفاً وشوقاً للتعلم.
لم أتوقع يوماً أن مشاعري ستكون بهذا الحماس لتعلم لغة جديدة، هذه اللغة العالمية التي تستخدمها فئة ميزها الله سبحانه وتعالى عن غيرها من فئات المجتمع الأخرى، وهي لغة الإشارة. اللغة التي يستخدمها الصم والبكم للتواصل مع بعضهم البعض ومع العالم الخارجي.
قصتي مع لغة الإشارة بدأت عندما قمت بزيارة مدرسة الصم والبكم من أجل تنفيذ فعاليات ترفيهية لكسر الحواجز بين الشرطة وهذه الفئة وتقديم النصائح التوعوية لها. حيث تلقيت حباً كبيراً من هذه الفئة ورأيت في عيونها الشوق والحاجة لاهتمام الآخرين.
عندما زرنا مدرسة الصم والبكم مع طاقم الشرطة المجتمعية، وقبل أن نبدأ النشاط المخطط له، شعرت بإحساس لم ينتابني من قبل، وخاصة عندما رأيت لمعان عيون الأطفال وهم ينظرون إلينا. وأثناء شرودي وتأملي في هذه المشاعر العميقة، اقتربت مني فتاة بملامح بريئة وعيون زرقاء، لمست فيهما الحاجة لسؤالي. ومن خلال حركات يديها، شعرت أنها تسألني سؤالاً لم أفهمه، وعندما سألت إحدى المعلمات أن تفسر لي ماذا تقصد هذه الفتاة، قالت المعلمة إنها تسألني عن اسمي. في تلك اللحظة، شعرت بمشاعر مختلطة بين الخجل والسعادة والتقصير تجاه هؤلاء الأطفال. فكيف أكون ضابط شرطة يفترض أن أخدم فئات المجتمع كافة وأنا لا أعرف كيفية التواصل مع هذه الفتاة البريئة التي سألتني سؤالاً بسيطاً (ما اسمك). وفي هذه اللحظة، فرضت عليّ مشاعري ضرورة تعلم لغة الإشارة. سألت المعلمة كيف يمكنني أن أجيب الفتاة بلغتها؟ وهنا بدأت قصتي مع لغة الإشارة.
"أنا اسمي رولا" كانت أول جملة تحدثت بها بلغة الإشارة. في البداية، شعرت بصعوبة وتعقيد هذه اللغة التي تحول الأحرف والكلمات إلى حركات بالأيدي والأصابع. وهنا بدأ التحدي يتغلغل مع تلك المشاعر المختلطة التي عززت إرادتي لضرورة تعلم هذه اللغة. واليوم، بعد عدة أشهر من ذلك الموقف، تفاجأت بحفظي لأكثر من خمسين كلمة ومصطلح بلغة الإشارة بالإضافة إلى الأحرف الأبجدية.
إن الاهتمام بفئة الصم والبكم وإدماجها في المجتمع ليس مجرد واجب إنساني، بل هو خطوة أساسية نحو بناء مجتمع أكثر عدلاً وتنوعاً، مما يعكس قيم التكافل والمساواة في المجتمع. فهذه الفئة تمتلك إمكانيات ومواهب كبيرة، وتستحق أن تحظى بالفرص اللازمة لتحقيق أحلامها وأهدافها من خلال الدعم والتواصل الفعال وتوفير بيئة تعليمية متكافئة ودعم المهارات والإبداعات لديها. كما أن الاهتمام بها سيسهم في تقليل العزلة الاجتماعية التي تعاني منها هذه الفئة، ويعزز من قدرتها على التفاعل مع العالم من حولها. إن إزالة الحواجز التي تواجه هذه الفئة واجب اجتماعي وأخلاقي يجب أن نعمل جميعاً عليه، في سبيل الوصول إلى مجتمع أكثر شمولية وعدلاً، ويضمن حياة كريمة ومتساوية للجميع.
أنتظر بفارغ الصبر زيارة مدرسة الصم والبكم مرة أخرى للحديث معهم بلغتهم بما تمكنت من تعلمه، والإجابة على أسئلتهم بلغتهم، وتعلم المزيد منهم.