التاريخ: 2023-05-12 09:27:31
عميد/ فتحي مخامرة
انطلقت يوم الأحد المنصرم، فعاليات أسبوع المرور العربي لعام 2023، تحت شعار "قواعد المرور سلوك حضاري"؛ لتعزيز الوعي بالسلامة المرورية وتوفير بيئة آمنة على الطرقات، وحث السائقين على الإلتزام بالقوانين والأنظمة للحد من الحوادث المرورية، والمساهمة في حفظ الأرواح والممتلكات. كل عام تجدد الشرطة الفلسطينية تذكيرها للجمهور بضرورة تطبيق القانون وإحترامه لما فيه من فوائد جمة على جميع الصعد، منها الحفاظ على الأرواح والممتلكات (المركبات) وصون الإقتصاد من الإستنزاف غير المبرر، هذا وتعكف قيادة الشرطة الفلسطينية في إحياء هذا الأسبوع من كل عام بالإشتراك مع الاشقاء العرب، فلا تقتصر هذه الفعاليات على التوجيه والإرشاد وتوزيع المطويات والنشرات التوعوية وغيرها فقط، بل تعمل بكل ثقلها على تجسيد تطبيق القانون على الأرض .
لقد وجد القانون من أجل المصلحة العامة، فهو حقيقة سلوك حضاري بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالجميع في الطريق سواسية لا يحق لاحد أن يأخذ القانون لجانبه أو يتصرف وكأن الشارع ملكه الشخصي، هذا للأسف ما نشاهده في شوارعنا، على سبيل المثال لا الحصر عندما يقوم أصحاب المحلات التجارية باقتطاع جزء من الطريق لكي يعرضوا بضاعتهم وخصوصاً في هوامش الطرق والأرصفة و هو اصلاً مخصص للمشاة في الواقع، فإن الخضوع للقانون وسيادته لا يمكن أن يجد مكاناً له في مجتمع يمارس الإقصاء او التهميش، ولا يؤمن بحقوق الجميع، وأن القانون هو الحكم والفصل، بغض النظر عن المرجعيات أيا كانت، وهو مبدأ لا يمكن تطبيقه في الوقت ذاته دون تشكل الوعي الكافي لدى الافراد بأن تطبيقه والدفاع عنه هو مسؤولية الجميع، لقد ركز الفيلسوف الاغريقي ارسطو على فلسفة القانون، وقال إن تطبيق القانون هو الضمان الوحيد للحيلولة دون أطماع الأشخاص، وانه خير سبيل لضمان حقوق الأخرين والمحافظة عليه، وكان توماس هوبز (1588–1679) وهومن بين فلاسفة القانون الأكثر تأثيرًا في الفترة الحديثة المبكرة، حيث وصف القانون بأنه الأداة الأساسية للسيادة، والتي من خلالها تخدم أهداف الحكومة، والتي كانت أساسًا السلام والأمن الشخصي لجميع مواطنيها، بينما نجده في العالم المتقدم خطاً احمر لا يجوز الاعتداء عليه البتة، لهذا جاء أسبوع المرور العربي في شهر أيار من كل عام لتوعية المواطنين وصقل شخصياتهم والعمل الدؤوب من أجل تغيير ثقافتهم حول استيعاب القانون ونبذ مخلفات الجهل والفوضى.
من هذا المفصل وجد القانون منذ بدء تجمع الأفراد وسعيهم لإيجاد مجتمعات منظمة ليُطاع؛ فسيادة القانون والخضوع له من المتطلبات الأساسية لحياة الفرد والجماعة على حد سواء. إلا أن هذا المتطلب الحتمي دائما ما كان موضع جدل وتأصيل فلسفي، فتطبيقات سيادة القانون والخضوع له واجهت اشكاليات متعددة، أبرزها غياب الشعور العميق لدى الأفراد بتلك الحتمية لبناء مجتمعات قائمة على العدالة والمساواة. وغياب هذا الشعور لم يكن بعيدا عن سياقات ابتعدت بالقانون عن المصلحة العامة لحساب مصالح شخصية ضيقة خلقت لدى المخاطبين به شعورا بعدم اليقين من أن ما يتم تأطيره قانونيا يطبق على الجميع على حد سواء.
في النهاية لو تمعنا في شعار أسبوع المرور العربي سوف نجد ثمة دلائل إيجابية تحمل عمقاَ توعوياً، وهو إن المرور علم بحد ذاته، واستخدام الطريق الصحيح هو سلوك يعبر عن مدى الالتزام الذاتي واحترام الشخص لنفسه، وهذا ما نسعى اليه وهو تذكير الجمهور بثقافة القانون ونبذ الفوضى واللارتابة في السلوك، وما نحتاجه اليوم في ظل هذه الظروف الطرح المزيّن بالوعي الحضاري والقانوني، فهذا يغذي النفس البشرية ويزيد من امانها بتطبيق القانون على الوجه الأمثل.
لقد استطاعت الدول المتقدمة أن تحد من نسبة حوادث السير من خلال نشر التوعية المرورية باستخدام الوسائل المتاحة كافة من اعلام ومؤسسات رسمية وغير رسمية، وأيضاً من خلال وضع عقوبات رادعة ضد السائقين المتهورين، فالإجراءات الوقائية مهمة على اعتبار أنها تمنع وقوع الحوادث، وما ينجم عنها من اضرار جسيمة في المركبات والارواح البشرية، فهذه تعتبر مقومات جوهرية للدولة يجب الحفاظ عليها.
موجز القول إن تطبيق القانون هو الأكثر أهمية في الدول لمواجهة السلوك الخاطئ، كما يجب هنالك طريق أخر لمنع السائق المتهور من أخذ القانون بيده، وهو إعادة تأهيله لهذا اهتمت فلسطين كباقي الدول العربية بوضع قواعد مرورية تهدف لحماية المواطنين والحفاظ على ممتلكاتهم.