التاريخ: 2021-11-21 16:13:42
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة دم المسلم وماله وعرضه احتراماً لحقوق الإنسان وحرصاً على العدالة التي تستهدف استقرار المجتمع وأمنه حيث تعددت وتنوعت التوجيهات النبوية الكريمة التي تحذر المسلم من العدوان الآثم على حياة الإنسان، مسلماً كان أو غير مسلم وأوضحت الحالات التي يجوز فيها لولي الأمر وحده استحلال دم إنسان ارتكب جرماً يستحق بموجبه الاقتصاص منه .
قال عليه الصلاة والسلام: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة .
وما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم هنا هو ترجمة لما جاء به القرآن حيث حرم الله سبحانه الدماء والأموال والأعراض، وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة هذه الثلاثة، في حجة الوداع، على ملأ من المسلمين، حيث يسمعه عشرات الألوف، في هذا البلد الحرام، وفي اليوم الحرام، قال لهم: إن الله حرّم عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وقال أيضا: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله .
بل جاء في الأخبار الموثقة أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالكعبة وقال لها: ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: لو أن أهل السماوات وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار .
إلا بالحق
إن الإنسان هو بنيان الله تعالى، ولا يحق لأحد أن يهدم هذا البناء، إلا صاحبه وبانيه، وهو الله، عز وجل، فلا يجوز أن تُقتل نفس بغير حق
أي إن النفس معصومة، صغيرة كانت أو كبيرة، نفس غني أو نفس فقير، نفس أمير أو نفس خفير، كل نفس، حرّم الله قتلها كما يقول د .عبد الله النجار، أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ما دامت غير معتدية بالكفر أو بالظلم، يقول الحق سبحانه: ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق .
وقد أوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحق، الذي يبيح الدم، ويبيح قتل النفس، ويهدر عصمتها، وذلك في إحدى ثلاث حالات:
- الثيب الزاني: أي الزاني المحصن المتزوج، فمن زنى وهو متزوج بعد أن عرف الطريق إلى الحلال الطيب، وعرف نعمة الله عليه بالزوجية، ونعمة الله عليه بظل الأسرة يظلله، بعد أن عرف ذلك، ثم خان زوجته، أو عرفت المرأة ذلك، ثم خانت زوجها؛ الذي يفعل ذلك، يستحق الموت رجماً . . هكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في من زنى وهو محصن، أو زنت وهي محصنة .
ولكن الإسلام لا يجعل هذه العقوبة إلا لمن يعلن بها، ويفجر بها جهرة علانية أمام الناس، بحيث يراه أربعة من الشهود، وهو يرتكب الفاحشة رأي العين، علانية بلا استخفاء ولا استحياء . أو يقر هو على نفسه أربع مرات بأنه زنا، يقر بذلك في مجلس الحكم والقضاء .
فمن فعل ذلك، أي اعترف وأقر على نفسه، وكرر الإقرار والاعتراف، أو من رآه أربعة من الشهود العدول المؤمنين المستقيمين، الذين لا جرح فيهم، ولا عيب في سلوكهم، من فعل ذلك فقد استحق الموت رجماً .
شدة مبررة
والشدة في التعامل مع هذا الإنسان الخائن مبررة، فهذا الذي كفر بنعمة الله عليه، وهي الزوجية، يستحق أن يرجم، ويباح دمه حتى لا تنتشر الفاحشة، ولا يستشري الفساد، ولا يشيع التحلل في المجتمع .
فهذا هو الرسول الذي يوحى إليه من الحكم العدل، يعاقب على الزنى، حسب نوعية هذه الفاحشة، وحسب ظروفها، فمن كان عزباً، لم يعرف الزواج بعد، فعقوبته أن يجلد مئة جلدة، كما جاء في القرآن: فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين .
وقد جاء بيان ذلك في السنة، أي أن المقصود بهذه الآية من الزانية والزاني: من لم يكن محصناً .
وهذا كما يقول د .النجار ليس بغريب على دين يحارب الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، لا ترتكب فيه مثل هذه الموبقات، وإن ارتكبت، ارتكبت على استحياء واستخفاء، بحيث لا يرى أحد ولا يسمع، فالمعصية إذا استعلنت كما نرى في بعض البلاد حيث يرخص للزنى علانية، وللبغاء جهاراً يغرى بها بالطرق المختلفة والأساليب المتنوعة، فهذا ما يحرمه الإسلام ويحاربه .
والرسول هنا لم يمنع الزنى ويحاربه بالرجم أو الجلد مرة واحدة، لكن هذه هي الوسيلة الأخيرة التي لا يغني شيء عنها، أما قبل ذلك فقد حارب الإسلام الزنى والفاحشة، بتيسير سبل الزواج، وحاربه بتربية الفرد المسلم، على العفة والإحصان، وعلى مراقبة الله عز وجل وعلى أن يقوي إرادته، إما بالصوم أو بالزواج إن استطاع .
كما حارب الإسلام الفواحش بتطهير المجتمع من أسبابها ودواعيها، التي تدعو إليها، وتغري الناس بها، وتجرئهم على ارتكاب الحرام، فالكلمة الخليعة، أو الصورة العارية أو شبه العارية، أو الأغنية المثيرة، أو كل ما نرى ونسمع في هذا العصر من أساليب الإغراء، والدعوة إلى الفجور، يحرِمه الإسلام، ويحذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من الاقتراب منه حرصاً على أخلاقيات ديننا وحماية لأنفسنا .
ثم في آخر ذلك إذا وقع الزنى، عوقب مقترفه بالجلد أو بالرجم .
القصاص العادل
وبعد أن يوضح صلى الله عليه وسلم عقوبة مقترف فاحشة الزنى ينتقل بنا إلى جريمة أخرى تستوجب عقاباً رادعاً وهي جريمة القتل العمد، ليقرر ما قرره الخالق في كتابه الخالد ويقول والنفس بالنفس .
أي: من قتل نفساً يقتل، فإن نفسه ليست أفضل ولا أعظم من نفس غيره، فمَن قتل نفساً فقد أهدر عصمة نفسه، وأهدر حرمة دمه، ويجب أن يقتص منه، كما قال الله عز وجل: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون .
وهنا يعلمنا نبينا العادل أن الأمر إذا ترك من دون قصاص كانت النتيجة أن يتجرأ المعتدون، وأن يثأر أولياء المقتول بأكثر مما اعتدي عليهم، وبذلك ينتشر العدوان والإجرام، ويتسع الخرق، وتزداد النار اشتعالاً، ولا يجدون لها ما يطفئها، وهذا ما يحدث على أرض الواقع في بعض بلادنا العربية والإسلامية، حيث يقتل شخص عدواناً وظلماً، وقبل أن تصل إليه يد العدالة تصل إلى أهله يد الانتقام، فيقتل في مقابله نفر من الأبرياء ثأراً منهم .
ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الحكم الذي جاء به القرآن أن القصاص الذي قرره الخالق سبحانه هو الذي يحمي المجتمع من صور الإجرام التي يعانيها الآن، فلو اقتص من كل قاتل سريعاً، ما بادر أهل القتيل وعشيرته بالثأر له، وهو أيضاً يرد على هؤلاء المخادعين الذين يملأون الدنيا صراخاً الآن مطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام تحت مبررات واهية من بينها الرأفة بالقاتل وعدم إزهاق روحه باعتبار الحياة حقاً لكل إنسان، وأمر هؤلاء يدعو إلى العجب حيث يرأفون بالقاتل المجرم، ولا يرأفون بالمقتول وأهله، ونسي هؤلاء أن الذي يستأصل الجريمة ويقضي عليها أن يعاقب فاعلها بما يحقق العدل بين الناس، ويردع كل من تسوّل له نفسه ارتكاب مثلها .
ومما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم إياه من خلال هذا النص النفس بالنفس أن القصاص معناه المساواة . . أي النفس بالنفس، فلا مغالاة كما كان يفعل أهل الجاهلية ولا إفراط في الانتقام والثأر من أهل القاتل الأبرياء كما يحدث الآن في بلاد عربية وإسلامية تشتعل فيها نفوس رجال ونساء يعشقون الثأر ويبالغون في الانتقام ويعتدون على أرواح بريئة حرم الله قتلها .
الرسول صلى الله عليه وسلم هنا أقر العدل ورفض الظلم ونشر ثقافة المساواة، فليس هناك عفو مفروض واجب، وليس هناك قصاص بأكثر من المثل، وبأكثر من المساواة .
والرسول العادل الذي يدرك حرمة الدماء والأعراض والأموال أقر مبدأ الدفاع عن النفس وأباح القتل دفاعاً عن النفس، كما جاء في الحديث حيث سأله أحدهم قائلاً: إذا دخل رجل على داري يا رسول الله، يريد قتلي أو أخذ مالي فقال له عليه الصلاة والسلام: فلا تعطه مالك . قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله . قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت في الجنة . قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار .
هذا هو القتل دفاعاً عن النفس أو العرض .
وحرصاً على دماء المسلمين جعل أمر القصاص من حق ولي الأمر، أي الإمام، فهو يتولى التحقيق في الأمر، فإذا ثبتت التهمة على إنسان أنه قتل عمداً، ينفذ به القصاص ويقتل .
التارك لدينه
والصنف الثالث من الناس، الذي نص الحديث على أنه يحل دمه، هو: التارك لدينه المفارق للجماعة .
فالذي ترك الإسلام، ومرق من دين الله، عز وجل، وفارق جماعة المسلمين، يجب أن يقتل . . إنه مرتد . . والمرتد عن الإسلام حكمه القتل .
جاء في الحديث الصحيح: من بدل دينه فاقتلوه .
والرسول هنا لا يقر مبدأ الإكراه على الدين كما يتوهم البعض، فقد رفع صلى الله عليه وسلم شعار لا إكراه في الدين الذي علمه إياه خالقه وباعثه هادياً ومبشراً ونذيراً، لكنه بذلك الحكم يحمي المجتمع من الفساد العقدي، ويوفر للمجتمع الأمان النفسي، فمَن دخل في دين الله الخاتم، والتزم بأحكامه وشرائعه، ليس له أن يجعل الدين لعبة في يده، كل يوم في دين، يدخل هذا الدين ويخرج منه إلى دين آخر، فدين الله ليس لهواً أو لعباً .