التاريخ: 2016-02-22 08:26:09
من قرارات مجلس الفتوى الأعلى 1 /28 حكم الأب المقصر تجاه أبنائه
التاريخ : 28/ محرم /1420هـ وفــــق :13 / 5 /1999م
السؤال : ما حكم الأب المقصر تجاه أبنائه ؟
الجواب : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
1) قال تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) سورة البقرة آية 170 .
2) قال تعالى : (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ...) سورة الزخرف آية 24 .
3) قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ ... ) سورة التوبة آية 23 .
4) قال تعالى : (...قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا...) سورة المائدة آية 104 .
5) قال تعالى : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوِا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا...) سورة الأعراف آية 28.
6) قال تعالى : (حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ...) سورة الأعراف آية 95 .
7) قال تعالى : (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا...) سورة يونس آية 78 .
8) قال تعالى : (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ) سورة الأنبياء آية 53 .
9) قال تعالى : (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) سورة الشعراء آية 74 .
10) قال تعالى : (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا...) سورة لقمان آية21 .
11) قال تعالى : (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) سورة الزخرف آية 22.
12) قال تعالى : (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) سورة الزخرف آية 23.
13) قال تعالى : (بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ...) سورة الأنبياء آية 44 .
14) قال تعالى : (أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الْأَوَّلِينَ) سورة المؤمنون آية 68 .
15) قال تعالى : (وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ...) سورة الفرقان آية 18 .
16) قال تعالى : (...إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ) سورة الصافات آية 69 .
17) قال تعالى : (بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمْ الْحَقّ ...ُ) سورة الزخرف آية 29 .
18) قال تعالى : (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُم...). سورة المجادلة آية 22 .
19) قال تعالى : (...آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا...) سورة النساء آية 11 .
20) قال تعالى : (...وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ...) سورة الأنعام آية 91.
21) قال تعالى : (أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ...) سورة الأعراف آية 71 .
22) قال تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) سورة التوبة آية 24.
23) قال تعالى : (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ...) سورة يوسف آية 40 .
24) قال تعالى : (لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) سورة الأنبياء آية 54.
25) قال تعالى : (...أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ) سورة الشعراء آية 76.
26) قال تعالى : (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ...) سورة سبأ آية 43 .
27) قال تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ...) سورة النجم آية 23.
28) قال تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا...) سورة الأنعام آية 148 .
29) قال تعالى : (أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا...) سورة الاعراف آية 70 .
30) قال تعالى : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ...) الاعراف آية 173 .
31) قال تعالى : (أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا...) سورة هود آية 62 .
32) قال تعالى : (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا...) سورة هود آية 87 .
33) قال تعالى : (تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) سورة ابراهيم آية 10 .
34) قال تعالى : (مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا...) سورة النحل آية 35.
35) قال تعالى : (لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ...) سورة المؤمنون آية 83 .
36) قال تعالى : (أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) سورة النمل آية 67.
37) قال تعالى : (لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ...) سورة النمل آية 68 .
38) قال تعالى : (...أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) سورة الصافات آية 17 .
39) قال تعالى : (...أَوْآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) سورة الواقعة آية 48 .
40) قال تعالى : (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) سورة البقرة آية 170 .
41) قال تعالى : (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) سورة المائدة آية 104.
42) قال تعالى : (مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ...) سورة هود آية 109 .
43) قال تعالى : (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) سورة يس آية 6 .
44) قال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) سورة المؤمنون آية 24 .
إن هذه الآيات كلها ذكرت الآباء في معرض الذم ،وبينت أن الضلال والكفر في الأبناء جاءهم من جهة الآباء وورثوه عنهم ، وكلمة (آباء) تشمل : ( الأم ،والأب ) . والذم المذكور في الآيات يتعلق بالكفر أي الخروج عن العقيدة الصحيحة ، ومن المعروف أن الناس مطالبون بأصول الشريعة وفروعها ، ولكل منهم حكم ، يختلف عن الآخر . بل إن الله عز وجل مدح الذين حاربوا آبائهم في المعركة عندما كفروا ، قال تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) .
سورة المجادلة آية 22.
كما أن سيرة الصحابة الدالة على عدم طاعة الآباء والأمهات عندما يتعلق الأمر بالعقيدة كثيرة منها : ما حصل مع سيدنا سعد بن أبي وقاص عندما امتنعت أمه عن تناول الطعام حتى يرتد عن الإسلام فقال لها : " والله لو كانت لك مائة نفس وخرجت واحدة بعد أخرى ما فارقت ديني " وبالنسبة لفروع الشريعة ، فإذا خالف الأب أو الأم حكما شرعيا فعلى الابن إلا يستجيب لهذا الأمر ويعترض ويبين حكم الله عز وجل فيه وهذا داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل " . ( رواه احمد ، كتاب العشرة المبشرين بالجنة ، رقم 1041 ) .
إن طاعة الآباء إنما تكون ضمن طاعة الله عز وجل من خلال الأحكام الشرعية ، فإن الأبوة ليست منصبا دينيا يعفي الأب من تطبيق شرع الله عز وجل ولا تعطيه حق الطاعة العمياء ، بل أن الطاعة يجب أن تكون مبصرة ، قال تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) سورة يوسف الآية 108 .
أن المفهوم أن للأب أو الأم الطاعة العمياء بحجة قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الإسراء الآية 23 .
هو مفهوم خاطئ بدليل عشرات الآيات التي تدل على عكس ذلك ، وانه من خلال المفهوم الخاطئ لطاعة الآباء ، كان ذلك مدخلا لظلم النساء في كثير من القضايا مثل حرمانهن من الميراث ، فان حق المرأة بالميراث أعطاها اياه الشرع بنص القرآن وهو حق يثبت بمجرد وقوع سببه وينتقل لها جبرا عنها ، بامكانها لو فقهت حكم الشرع أن تطالب بحقها ، وحجتها بذلك كتاب الله عز وجل .
إن علاقة الآباء بالأبناء يجب أن تكون قائمة على بصيرة ولا تكون كذلك إلا إذا كانت حسب أحكام الشرع الإسلامي . فعلى الابن ( ذكراً أم أنثى ) أن يفهم واقع أي مسالة تقع بينه وبين أبويه أو احدهما وعليه أن ينزل الحكم الشرعي عليها ، ويعرف حكم الإسلام في الواقعة أهي حلال أم حرام ، أما إذا كانت فعلا من الأفعال فعليه أن يعلم أهي واجب أم مندوب أم مكروه أم مباح أم حرام ، وعلى ضوء ذلك يتصرف .
ولكن هناك قاعدة تحكم علاقة الابن بابيه وأمه وهي عدم المماثلة أي لا يجوز التمادي في الخصومة مع الوالدين.بل حدهما الأعلى معرفة الحكم الشرعي في المسالة وتوجيه النصح والإرشاد الشرعي للأبوين فقط ولا يتعدى ذلك . مما يدل على عدم جواز المماثلة والخصومة قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يقاد والدٌ بولده " . (رواه البيهقي ) وقوله عليه الصلاة والسلام : " أنت ومالك لأبيك " رواه ابن ماجه . هناك روايات أخرى مع اختلاف في الألفاظ عند الإمام احمد ، وأبو داود ، وقد قال الإمام الشوكاني في كتابه نيل الاوطار عن هذا الحديث : ( " وفي الباب " : عن سمرة عند البزار . وعن عمر عند البزار أيضاً . وعن ابن مسعود عند الطبراني ، وعن ابن عمر أبي يعلى ، وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج ) كتاب نيل الاوطار ج6/ص411 .
إننا نستطع أن نعمل الكثير إذا قصر الأب فهذه قصة الصحابية التي جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تشكوا أن أباها زوجها من ابن أخيه ليرفع به خسيسته فجعل رسول الله الأمر لها ونص الحديث : " عن عائشة رضي الله عنها " : ( إن فتاة هي الخنساء ابنة خدام الأنصاري دخلت عليها ، فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه يرفع بي خسيسته وأنا كارهة ، قالت : قالت : اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رسول الله فأخبرته ، فأرسل إلى أبيها فدعاه ، فجعل الأمر إليها فقالت : يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن اعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء ) رواه النسائي ، كتاب النكاح ، رقم 3217 . والحديث يدل على أن طاعة الأب إنما تكون على بصيرة .
وبناءً على الحديث يمكننا أن نفسخ العقد الذي تكون فيه الفتاة مكره على الزواج ونجعل أمر إجازته أو عدمه إليها ، إقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإننا نستطيع ان نلغي أي تمييز قام به الأب في الاعطيات والهبات تجاه أبنائه إذا ميز احدهم وحرم الآخرين كما ورد في حديث النعمان بن بشير ونص الحديث : (.... عن النعمان بن بشير قال : انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله اشهد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي ، فقال : أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان ؟ قال : لا ، قال : فأشهد على هذا غيري . ثم قال : أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال : فلا إذا ) وفي رواية ( لا فأرجعه ) وفي رواية أخرى ( لا اشهد على جور ) صحيح مسلم رقم 3059. وهذا الحديث أيضا يدل على أن فعل الأب مقيد بالأحكام الشرعية وان طاعته لا تكون إلا على بصيرة .
بل أن ولي الأمر له أن يتدخل في أكثر من ذلك إذا أساءت الأم التصرف مع وليدها ، فهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسمع بكاء طفل مرة ومرة ثانية وثالثة ، فلا يصبر على ذلك ويتوجه تجاه الصوت ويخاطب الأم : أنت امرأة سوء لماذا لا تسكتي وليدك ؟ فتقول : إنها تفطمه وهو رضيع لكي تحصل على عطية من أمير المؤمنين الذي فرض لكل فرد عطية من بيت المال فما كان من أمير المؤمنين إلا أن ألغى القرار القديم وأصدر قرارا جديداً أن لا يستعجل احد فطم وليده فقد جعلنا لكل مولود عطية . نعم لقد غير القرار لكي لا يكون مدخلا وسببا في إساءة الآباء لأطفالهم الرضع . وهذا يشبه عيادات رعاية الأطفال مع اختلاف في الأساليب تبعا لتطور الأزمنة .
كما ورد أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتقد غلاما ملازما للمسجد ، فمشى إلى بيته ، فقالت أمه : " انه على طعام له يبيعه ، فلقيه ، فقال :" مالك وللطعام ، فهلا إبلاً ، هلا بقراً ، هلا غنما ؟ وان صاحب الطعام يحب المحل ، وصاحب الماشية يحب الغيث ) القرطبي ص6848.
ويوجد اليوم ما يسمى برعاية الأحداث ومنع تشغيلهم في الأعمال الخطرة ، مع اختلاف في الأساليب تبعا لتطور الأزمنة . فعلى ولي الأمر أن يشعر الأبناء أنهم محل رعاية واهتمام منه أو من نائبه . وإذا كان الابن دون سن البلوغ وهناك تقصير من الأب تجاهه ، فعندئذ يكون الواجب في رفع هذا المنكر على اقرب عاقل وبالغ مكلف يعي هذا الأمر ، فان من الواجب شرعاً تغيير المنكر لقوله صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان " .
ولكن يجب ان يغير المنكر بالطريقة الشرعية السليمة . وإننا في مجلس الفتوى الأعلى نناشد بإحياء دور المسجد ودور إمام المسجد ، فيجب أن يكون إمام المسجد إماما للحي كله ، يعود المريض ويساعد المحتاج ويسمع للمظلوم ، ويمشي في حاجة المحتاج ، ولكن فقدت هذه المعاني مع الأسف في هذه الأيام ولم يعد الإمام أو المسجد يؤديان الرسالة الشرعية الصحيحة لهما .
معنى قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)) سورة الإسراء
إن طاعة الوالدين مقيدة بطاعة الله عز وجل ، قال تعالى : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة لقمان آية 15.
ومقيدة بقوله صلى الله عليه وسلم : " لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل " .
( رواه الإمام احمد ، كتاب العشرة المبشرين بالجنة ، رقم 1041 ) .
إذن فطاعتهما مقيدة بطاعة الله عز وجل وفق ما أمر الله عز وجل . ولكن بقي جزء بلا قيد وهو قوله تعالى : (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سورة الإسراء آية 24. فان فترة العناية بالابن في صغره من الأبوين يتجلى ويظهر فيها الإحسان إلى الطفل بأعلى درجات الإحسان ، فهو إحسان بلا مقابل ولا منُ ولا أذى ، بل أنهما يقدمان له ما يحتاجه ، ونفسهما راضية وسعيدة بذلك لا بل ويتمنيان أن يثمر ما قدماه للابن من رعاية وتنشأة ليكبر الابن ويستغني بنفسه عن غيره. فهذه الفترة هي حسنات عظيمة لو وضعت في كفة ثم وضعت إساءات الآباء ( إن وجدت ) لابناءهم في كفة أخرى،فستبقى كفة هذه الحسنات راجحة مدى العمر وهذا الفهم يدل على عموم الأدلة مثل قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقاد والد بولده " ( هذا الحديث روي من عدة طرق وقد رواه كلٌ من:الدار قطني ، احمد ، البيهقي،الترمذي،الدرامي،ابن ماجه، والخلاصة: من تحرير البيان هذا الحديث رواية ودراية : تبين أن هذا الحديث قد روي بعدة طرق إلى عمر رضي الله عنه،وان الحديث من طريق محمد عجلان:حسن لذاته،وان حديث ابن عباس عن طريق إسماعيل بن مسلم عند الترمذي يصلح شاهدا له . فالحديث بمجموع طرقه : صحيح لغيره وممن صححه:البيهقي ، وابن الجارود ، والسيوطي،وقال ابن عبد البر(إن شهرة هذا الحديث تغني عن إسناده) كتاب أحكام الجناية على النفس وما دونها /ابن القيم/دراسة وموازنة بقلم بكر بن عبد الله أبو زيد/ص 152 ، 153 ، 154 ، 155 ، 156 ) .
فالقتل فيه إثم وهو كبيرة من الكبائر وله حد معروف ولكن لا تجوز المماثلة بين الوالد وولده وهكذا في سائر الأمور.
ومن الأحوال التي يمكن أن يتدخل فيها ولي الأمر :
إذا كان الوالد لاعب قمار أو مسرفا في ماله فيما لا يفيد ويترك عياله جياعا ، فهذا وأمثاله يجوز لولي الأمر إن يتدخل للحجر عليه ، فان الحجر وان كان على السفيه في المال فعلى الأب المقصر بإعالة عياله أولى . قال تعالى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ) سورة النساء آية 5 .
كذلك فان الولي الذي يعضل ابنته بحيث إذا تقدم لها الكفأ لم يزوجها منه وتكرر هذا ، فان لولي الأمر أن يرفع ولاية الأب عنها ويزوجها من الكفؤ.قال تعالى:(فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)سورة البقرة آية 232.
كما أن العقوبات التعزيرية التي يرجع في تقديرها لولي الأمر ، تستخدم ضد الأب المقصر تجاه أبنائه .
كما أن من أسباب تقصير الآباء وتماديهم في ظلمهم لأبنائهم عدم توجه الأبناء أو الأمهات إلى العالم المسلم لكي يفتيهم في الأمور التي يتعرضون لها ، وقد ارتبط – مع الأسف الشديد – التوجه إلى المحكمة الشرعية بسوء الظن ، فهناك حاجز نفسي بين الناس وبين المحاكم الشرعية فيتحرجون من الذهاب إليها بل يبتعدون عنها .
وإننا نهيب بالإخوة المسؤولين إلا يجعلوا حواجز نفسية بينهم وبين الناس مهما كانت أعمارهم ونخص بالذكر الإخوة المفتين في المحافظات يفتحوا صدورهم للاستماع لأسئلة الناس واستفساراتهم مهما كانت.وان يصححوا الفكرة التي لدى الناس بان القاضي أو المفتي عمله التفرقة بين الأزواج أو فرض الغرامة لاحدهما على الآخر،وان يفهموا الناس أن الأحكام الشرعية هي الأساس في الفتاوى والاقضية حسب شرع الله عز وجل .
هذا وبالله التوفيق
من صفحة المفتي الشيخ محمد صلاح