التاريخ: 2012-03-06 09:30:08
رائد محمد (23 عاما)، درس التمريض وتخرج عام 2009، كان فرحا باستلام عمله الجديد، وحدث ما لم يكن متوقعا، توجه رائد بسيارته برفقة أخيه من مدينة الخليل إلى بلدة بيت كاحل شمال المدينة، وفي طريقهما وبينما كان أخوه يقود المركبة بسرعة زائدة، انزلقت السيارة يمينا ويسارا لمرات عدة، إلى أن انحدرت مسافة 8 أمتار في واد قريب من المكان.
مرّت دقائق من السكون، وحضرت سيارة إسعاف إلى المكان، وكانت النتيجة: تعرّض رائد إلى كسر في عموده الفقري، وأخوه لكسر في الفقرة الرابعة جعلته يلازم فراشه شهرا كاملا، في حين ما زال رائد يتلقى العلاج في مستشفى 'الجمعية العربية' بمدينة بيت جالا حتى اليوم، فالكسر قد تسبب له بشلل مؤقت في طرفيه السفليين، أفقده القدرة على المشي، ويستخدم الأجهزة لمساعدته على ذلك .
ولا شك، أنه في مثل هذه الحوادث التي تحتاج إلى إعادة تأهيل طويلة الأمد، تترك آثارا نفسية على المصاب وعائلته.
وقال رائد: 'ليست الخسارة الوحيدة التي أشغلت تفكيري فقداني لعملي أو تأجيل عرس أخي، الذي كان مقررا أن يكون في اليوم التالي للحادث، بل الخسارة الكبرى أنني بعد الحادث بحوالي شهرين تلقيت اتصالا من الجامعة، تبلغني وطالبتين، بمقابلة جهة مانحة لإكمال الدراسة في إحدى الدول الأوروبية، ولكن حجم الإصابة منعني من القبول واعتذرت، رغم أنني كنت الأول على دفعتي.
الحادث لم يؤثر على رائد نفسيا فقط، بل واجتماعيا، فمحدودية الحركة جعلته في معزل عن المجتمع ونشاطاته، إضافة إلى عدم قدرة المجتمع المحلي على تأمين عمل له وهو في هذه الحالة .
كما أثر الحادث على عائلته، حيث تعطل عن العمل وأصبح غير قادر على تلبية احتياجات أسرته الأساسية، وكانت تكلفة العلاج كبيرة، ولكن لحسن الحظ أن السيارة التي تعرضت للحادث مؤمنة ومرخصة، فتحملت شركة التأمين جزءا كبيرا منه.
وقصة أخرى من حوادث السير، بطلها عبد الرزاق (24 عاما)، الذي تعرض لحادث سير أليم في عام 2006، على مفترق إشارة ضوئية في منطقة 'عين سارة' بالخليل، بينما كان يقطع الشارع والإشارة حمراء، فإذا بسيارة تلقيه أرضا وتدفعه لمسافة طويلة، ما أدى إلى دخوله في غيبوية مدة شهر كامل، عانى خلالها من نزيفين داخليين في الدماغ، وكان وضعه خطير جدا، حيث فقد الأطباء الأمل من شفائه، واعتقدوا أنه إذا نجا من الغيبوبة فسيعيش باقي حياته مقعدا، لأن إصابته كانت في منطقة حساسة في الدماغ، لكن رحمة الله كانت واسعة، فتماثل عبد الرزاق إلى الشفاء بعد فترة طويلة من العلاج وتابع حياته بشكل طبيعي، إلا أن الحادث أثر عليه كثيرا، حيث تعطل عن عمله ودراسته لمدة سنة كاملة، ما أدى إلى تأخر تخرجه، إضافة إلى أن وضعه النفسي تأثر بشكل كبير جدا، فالحادث خلق له عقدة خوف من السيارات ومن السياقة.
ويقول عبد الرزاق، إنه حتى الآن يخشى كثيرا قطع الشارع، ومن الناحية الاقتصادية تكبدت عائلتي خسائر جمّة وتكاليف علاج كبيرة، ولكن رغم ذلك حمدت العائلة الله على بقاء ابنها على قيد الحياة.
كثرت حوادث السير في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، فما أن تفتح الصحيفة اليومية أو وكالات الأنباء حتى تجد خبرا أو أكثر عن حوادث السير بسبب السرعة والتهور، ولا يقتصر ذلك على مدينة دون أخرى، فأغلب المدن الفلسطينية تسجل فيها حوادث مختلفة يوميا، ووفقا لإحصاءات الشرطة الفلسطينية، فإن عدد الحوادث في العام الماضي بلغ 7400 حادثا في الضفة الغربية، وسجلت أكبر عدد من الحوادث في رام الله حيث بلغ عددها 1650 حادثا، نتج عنهم 14 حالة وفاة، و1093 إصابة تراوحت بين خطيرة ومتوسطة وبسيطة .
وأطلع مدير العلاقات العامة في شرطة الخليل الرائد أحمد العطاونة، 'وفا' على إحصائية الحوادث في المدينة لعام 2011، حيث بلغ عددها 966 حادثا، نتج عنها 36 حالة وفاة، و46 إصابة خطيرة، 169 متوسطة، و938 بسيطة.
وأضاف: هناك عدة أسباب لوقوع الحوادث منها: ما يتعلق بالإنسان، أو بالأحوال الجوية أو المركبة، إضافة إلى الطريق، مبينا أن عدم اتخاذ التدابير اللازمة للسلامة، ووجود ظاهرة المركبات غير القانونية تشكل نسبة 17% من حوادث السير، هذا بجانب قيادة المركبات من قبل أشخاص غير مؤهلين للقيادة، أو غير حاصلين على رخصة قيادة، ما يؤدي لعدم اندماجه بأساليب السياقة، لعدم معرفته بها، إضافة لقيادة المركبة من قبل أطفال دون السن القانونية للقيادة.
كما وتعد السرعة من الأسباب الرئيسية وراء أغلب الحوادث، وذلك بسبب عدم التقيد بالسرعة المحددة سواء داخل البلد أو خارجها، إضافة إلى الانشغال أثناء السياقة كالتحدث بالهواتف النقالة، أو عدم تفقد المركبة وصيانتها بشكل دوري.
وأفادنا الرائد العطاونة، بأن الشرطة تقوم بعدة إجراءات للحد من الحوادث منها: إعطاء ندوات والقيام بورشات عمل داخل مؤسسات المجتمع المدني لنشر ثقافة المرور، إضافة إلى تحرير مخالفات للسائقين لإدراك أهمية الالتزام بتعليمات المرور، وحجز كل من يقود سيارة من دون ترخيص.
وتعمل الشرطة على إيجاد طاقم تدريب للمدارس، من أجل توعية الطلاب بكيفية الدخول والخروج من المدرسة، وعبور الشارع، والعمل أيضا على توزيع نشرات تثقيفية وإرشادية لكافة أفراد المجتمع حول أهمية الالتزام بقوانين السير .
كما وأن الشرطة عملت دراسة للأوقات التي تكثر فيها حوادث السير، وتبين أن الفترة الصباحية وخاصة عند 8 صباحا بفترة خروج الطلاب والموظفين لأعمالهم وعند الساعة 3 عصرا عندما يغادرون، تكثر فيها الحوادث، كما أظهرت الدراسة أن يومي: الأحد والخميس تكثر فيها الحوادث بسبب كثرة التنقل بين المحافظات في عطلة نهاية الأسبوع وبدايته، منوها أنه على الجميع أخذ الحيطة والحذر في هذه الأوقات بسبب الازدحام.
ومن أهم الإجراءات التي تتخذها الشرطة، أنها تعقد اجتماعات دورية مع لجنة السير الفرعية، لدراسة كافة المشاكل في المحافظة، والتي تتعلق بحوادث السير والمرور.
كذلك، على البلديات العمل بشكل دائم على صيانة الشوارع وتخطيطها، ووضع الإشارات والشاخصات المروية في المناطق التي تحتاج إليها.
وتحدث عطاونة عن دور الشرطة، خاصة في الآونة الأخيرة، في حملة التوعية والإرشاد، وفرض العقوبات وخاصة لسائقي حافلات رياض الأطفال والمدارس، حيث وجدوا عددا كبيرا من الحافلات غير المرخصة وغير المؤمنة، والتي تحمل عددا زائدا يتجاوز الحمولة المسموح بها، وقال: إن الحملة مستمرة للالتقاء بكافة مدراء المدارس الخاصة ورياض الأطفال، لتوضيح الخطر المترتب على عدم اتخاذ التدابير اللازمة في حافلات النقل.
وفي كلمة وجهها الرائد إلى السائقين، قال: على الجميع الالتزام بالقوانين والقواعد المرورية والإشارات والتقيد بعدم السرعة، وأن يتذكروا دوما أن هذه المركبات هي لخدمتهم وتسهيل حياتهم، وليست وسيلة لقتلهم أو إصابتهم بإعاقة دائمة (لا سمح الله) .
ويضيف: 'حياتنا أُثمن من أن نلقيها في الهاوية، فعلينا جميعا التحلي بروح المسؤولية عند قيادتنا للمركبات، فالقيادة ليست عملا طائشا، بل وسيلة ندرب أنفسنا على ضبطها'.