التاريخ: 2012-01-05 17:05:51

رام الله – دائرة الاعلام - ناقش النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني جمال حويل رسالة ماجستير تحت عنوان معركة جنين : الصورة والأسطورة وذلك في جامعة بيززيت وبإشراف  د. عبد الرحيم الشيخ ، و د. حماد حسين ( عضواً)،و  سمير عوض (عضواً) . فكرة الرسالة وقال حويل في لقاء مع الموقع الالكتروني لمفوضية التعبئة والتنظيم أن فكرة الرسالة  جاءت خلال وجودي كطالب في برنامج الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة,  الذي التحقت به في العام 1999. وبعد فترة طويلة، ومتعددة من التجارب الشخصية والوطنية. وقد عاودت الالتحاق بالبرنامج بعد خروجي من الأسر في العام 2009. وأثناء إعدادي لخطة بحثية في مساق اعتيادي مع د. عبد الرحيم الشيخ، تنبهت إلى ضرورة تحويل تراكم كبير من معرفتي بمعركة جنين، ومراحل متعددة من تدوينها، إلى تسجيل تاريخي للمعركة.  وذلك لسببين : 1.  صورة معركة مخيم جنين: خلال معركة مخيم جنين، اختطف المخيم وأخباره أنظار العالم، وفي تاريخ الشعب الفلسطيني صارت "المعركة" صورة وأسطورة حدثاً فارقاً، ونموذجاً موحياً لمقاومات العربية، الأمر الذي دفعني للعمل على توثيق صمود مخيم جنين ومعركته للدفاع عن الحياة، وفضح ما ارتكبته دولة الاحتلال الصهيونية من جرائم مروعة بحق المدنيين والمقاومين في مخيم جنين، وإبراز بعض النفاق والصمت العالمي ممن التزموا الصمت أمام جرائم القتل والتدمير التي هدفت إلى إخضاع المخيم، والفلسطينيين عامة، في سياق مخطط إسرائيلي استهدف البنى الفلسطينية وتصفية محاورها المنحازة إلى خيار الكفاح المسلح. 2.  أسطورة مخيم معركة جنين: وقد جاءت فكرة كتابة هذه الرسالة بعد انقطاع عن الدراسة دام أكثر من عشر سنوات في خوض المعركة والأسر. جاءت فكرة الكتابة كشيء من التجريب أولاً، ثم تحوَّلت، يوماً بعد يوم، غلى هاجس شخصي مسكون بهمَّ جماعي فلسطيني، وهو كتابة "شهادة من الداخل" على معركة جنين، وعلى ما كتب عنها، صورةً وأسطورةً، على نحو يعيدها إلى عالم الواقع، وينلها من إطار التباهي، الأجوف في غالبه، إلى أرض التأمل، وتدشين قابليات الاستنساخ لتجربة الكفاح المسلح حتى في أكثر المراحل السياسية امتداحاً للديبلوماسية وخيارات اللا-عنف. وحول مبررات الدراسة جنين-الصورة والأسطورة  قال حويل : 1.     تعتبر معركة جنين (التي وقعت في الفترة الممتدة من 1-12 نيسان من ربيع العام 2002) من أبرز محطات الصمود والانتصار في التاريخ الفلسطيني المعاصر. فقد شكَّلت تلك المعركة نموذجاً في الإعداد والصمود والتصدي، ولكنها دشنت، كذلك، ولأول مرة، نموذجاً للانتصار على الوحش الصهيوني الاحتلالي من داخله، إذ كانت معركة جنين التجربة العسكرية الفريدة وتكاد تكون الوحيدة في تاريخ الانتصارات الفلسطينية من داخل فلسطين المحتلة (بعد تأسيس دولة إسرائيل العنصرية في العام 1948 وحرمان الفلسطينيين من تشكيل حداثتهم وإقامة دولتهم) مقارنة بمعارك مثل الكرامة، وبيروت، والحصارات المتوالية على الفلسطينيين وقيادتهم التاريخية. 2.     وعليه، فإن البحث في هذه المعركة، ومن الداخل وعلى يدي أحد فواعلها المركزيين، سيلقي الضوء، وعن قرب، على نموذج تمت أسطرته والترويج له أو التقليل من شأنه لصالح أجندات سياسية وعسكرية واستراتيجية مختلفة. فمن خلال عيش أجواء ما قبل المعركة من مطاردة، والمساهمة في المعركة لحظة بلحظة ضمن وحدة وطنية فريدة للغاية، ومن ثم الابتعاد عن ميدانها وما خلفته من أثر على أرض مخيم جنين وفي وعي الصديق والعدو، وقضاء ما يزيد عن سبع سنوات ونصف في السجن شهدت تدويناً جزئياً لـ"لحظة معركة مخيم جنين" في التاريخ الفلسطيني الحديث عبر كتاب الأسير وليد دقة يوميات المقاومة في مخيم جنين 2002، ومجموعة أخرى من "المدونات" التي جرت كتابتها في السجن ونجت من عسف إدارات سجون الاحتلال سيتم إلحاقها بهذه الدراسة... بعد كل ذلك، تم الاطلاع على كم هائل من الأدبيات التي دونت الحدث "من الخارج"، فكان للبعض القليل منها علاقة بـ"ما حدث فعلاً"، ولكثير منها نصيب من تشكيل "أسطورة المعركة" بدلاً من "تشكيل صورتها" الواقعية. 3.     لقد كان للرغبة في تفسير هذا الفارق الهائل، والذي قد يسهل الإشارة إلى سبب وجوده لتحليل عابر، بين "الصورة" و"الأسطورة"، ولعدم وجود مدونة جامعة و"موضوعية" للمعركة... النصيب الأكبر في تشكيل الدافع لكتابة هذه الدراسة التي راوحت بين "الأكاديمي" والشخصي" لتبحث عن "معنى المعركة"، و"معنى النصر"، و"معنى الهزيمة" في سياق تغيب فيه المعاني بالخطابة السياسية وعدم التدقيق التاريخي في ما قد يكون من أهم محطات تاريخ فلسطين الحديث، ويغيب معه المقاوم/"الباحث" عن الفارق الكبير بين من يصنع التاريخ، ومن يكتبه. وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى الوقوف لحظة تأمل على قرب شديد من المعركة، تاريخياً ومكانياً وروحياً، للإجابة على سؤال: ماذا فعل المنتصرون بالنصر؟ وماذا فعل المهزومون بالهزيمة؟ وكيف استطاع الفلسطينيون المزاوجة بين فهم تجربة جنين كـ"ملحمة صمود وتصدي" من ناحية كونهم قد انتصروا، وكـ"مجزرة" من حيث حجم الخسائر والتضحيات؟ ولما بالغ المبالغون الذين لم يشاركوا في المعركة في الكتابة عنها "عن بعد"؟ ولماذا زهد الزاهدون، وهم الأفضلون الذين يحملون السلاح، الذين خاضوا غمارها في الكتابة عنها وليس بينهم وبينها حجاب؟ وتحدث حويل عن أهمية الدراسة: تستمد هذه الدراسة أهميتها القصوى من ثلاثة عناصر أساسية: 1.     العنصر الأول، هو إنها ستكون الدراسة الأولى التي تعدُّ تاريخاً لصيقاً بالحدث نفسه نظراً لخصوصية أن المقاوم، الذي صار "الباحث" لضرورة أكاديمية، قادم من صميم التجربة التاريخية نفسها. ولعل ما يضفي فرادة على هذه الفرادة هو كتابة هذه الرسالة في سياق ومحفل أكاديمي، وليس من باب تهنئة الذات أو كتابة سيرتها لترف تخليدها. وذلك يعني أن صدور هذه الدراسة بلبوس أكاديمي يخرجها من حيز الملكية "الشخصية" لكاتبها، إلى فضاء الملكية العامة للشعب الفلسطيني الذي يسعى، وخاصة خلال العقدين الأخيرين، إلى تدوين رسمي وشعبي لحكايته التاريخية الجمعية. 2.    أما العنصر الثاني للأهمية، فإن هذه الدراسة ستكون الأولى التي تبين مدى النقص في عملية "استخلاص العبر" من هكذا تجارب من قبل المستويين الرسمي والشعبي كما يكون عليه الحال في الطرف الصهيوني بعيد كل معركة. فعلى الرغم من أن الفلسطينيين والعرب أحوج ما يكونون للحظات انتصار على العدو الذي انكسرت أسطورة أنه "لا يقهر"، إلا إنهم لم يتأملوا، ناهيك عن أنهم لم يدرسوا، هذه اللحظات النادرة في تسجيل الانتصار عليه. تحاول هذه الدراسة النظر في معركة مخيم جنين كلحظة انتصار، أو نشوة انتصار عابرة على الأقل، من أجل بحث كيفية استنساخها حين تقتضي الضرورة مع عدو ثبت تاريخياً واستراتيجياً أنه لا يفهم إلا لغة القوة، لأنه لا يستعمل مع غيره إلا هذه اللغة. 3.      وأما العنصر الثالث لأهمية الدراسة، فهو أن تدوين تأريخ تفصيلي مشفوع بالتحليل السياسي والعسكري والثقافي لمعركة جنين من شأنه أن يعزز ثقافة المقاومة في ظل الاحتلال الصهيوني المتواصل وفي ظل قناعة البعض باستنفاد خيار المقاومة المسلحة. وعلى الرغم من أن فكرة هذه الرسالة، ومعظم بحثها قد تم قبل قرار قيادة السلطة الفلسطينية، مدعومة من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وامتدادها العربي والإسلامي والعالمي، بالتوجه إلى الأمم المتحدة في الحادي والعشرين من أيلول للعام 2011 إلى الأمم المتحدة لطلب نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وما تضمنه ذلك من إعلان رسمي لفشل "خيار المفاوضات" الذي تم تصويره على امتداد قرابة عقدين من الزمن بأنه الأوحد على الطاولة... على الرغم من ذلك، فإن هذه المداخلة المركزية لهذه الدراسة، إضافة إلى بعدها التوثيقي الذي ينزع عن البطولة هالة الأسطرة، هو بث إشارات تفيد بأن فشل "خيار المفاوضات" لم يفتح الباب أمام مبادرات سياسية أكثر جدية وجذرية وعملية كما في التوجه للأمم المتحدة؛ ولا أمام خيار "المقاومة الشعبية السلمية" الذي بات خياراً ذائع الصيت في أربع أركان فلسطين وخارجها على أيدي مناصري القضية الفلسطينية... وحسب، بل إن تجربة معركة جنين، تضع الخيار الذي تم طويه رسمياً وشعبياً إلى إشعار آخر، وهو خيار الكفاح المسلح، الذي قامت عليه منظمة التحرير الفلسطينية وكبرى فصائلها (حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح) وما سواها من فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية... تضع هذا الخيار رهن العودة ذات النتائج التي تم تجريبها-الانتصار الفيزيائي النسبي، والمعنوي المطلق، في معركة مخيم جنين ربيع العام 2002. وحول إشكالية الدراسة قال حويل : تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة على السؤال الرئيسي التالي: ما هي الخصوصية التاريخية، والعسكرية، والسياسية لمعركة جنين في ربيع العام 2002؟ كما تهدف إلى إزالة ما علق بتدوين تاريخ المعركة من أسطرة وتناقض تأريخي ناتج عن عدم امتلاك المصادر المناسبة، واختلاق بعضها. وعليه، فإنه للإجابة على السؤال المركزي، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة على أربعة من الأسئلة الفرعية التالية: (1)               ما هي الخلفيات التاريخية لاستهداف مخيم جنين أخذاً بعين الاعتبار النسيج الاجتماعي والثقافي للاجئي المخيم؟ ويتضمن هذا السؤال استدراجاً لتاريخ مخيم جنين في استحداث أنماط متميزة من المقاومة الجماهيرية والتنظيمية، والتي تجلت في تشكيلات العمل المقاوم في الانتفاضة الأولى (للعام 1987) وامتدت حتى معركة مخيم جنين (للعام 2002)، التي لم تحل الاتفاقيات السياسية و"ثقافة ما بعد أوسلو" من تغييبها؟ (2) وما هي أوديسية المقاومة التي أصبحت نموذجاً وطنياً، وإقليمياً، وعالمياً، في مقاومة الاحتلال؟ وهنا، سيقوم هذا السؤال بحمل مرآة الذاكرة لأحداث المعركة في أيامها الإثني عشر، إذ ستتم كتابة مدونة المعركة لحظة بلحظة استناداً إلى الذاكرة المدعمة ببعض الشواهد المرئية، والمسموعة، والمكتوبة. وكيف يمكن نزع ظاهرة الأسطرة عن المعركة وتحويلها إلى منجز انتصاري سياسي وعسكري وثقافي فلسطيني؟ (3)   ما هي عوامل الانتصار والصمود في معركة جنين في ظل وضع سياسي وعسكري غير متوازن؟ ويعنى هذا السؤال، أولاً، بتدشين معركة مخيم جنين كتجربة انتصار على الرغم مما ألحقته آلة الاحتلال الصهيوني من خسائر في الأرواح وأذى في الممتلكات، وما بدا استمراراً لأبشع أنواع التطهير العرقي في تاريخ هذه الآلة. ومن ذلك، سيتم التدليل على مؤشرات النصر عبر سياق سردي تفصيلي لـ(عدم) توازنات المعركة. (4)                ما هو أثر معركة جنين على المخيال السياسي والعسكري والثقافي: فلسطينياً، وإسرائيلياً، وعربياً، وعالمياً؟ وسيتعرض هذا الفصل لأصداء المعركة وتبعاتها في المستويات المذكورة، بالإضافة إلى تبيان الكيفية التي تم (أو لم يتم على نحو صحيح) استثمار معركة جنين فلسطينياً، وكيف يمكن البناء على هذا النموذج المقاوم في المواجهة المفتوحة مع الاحتلال الصهيوني. الفرضيات تنطلق هذه الدراسة من مجموعة فرضيات يمكن اختزالها في فرضية كبرى مفادها: إن خصوصية معركة جنين، مواجهة وانتصاراً، نبعت من قناعة لاجئي المخيم بأنه لا ملاذ آخر لهم ولا لجوء مرة أخرى؛ والتفاف هؤلاء واحتضانهم للمقاومين؛ وتوحُّد قوى العمل الوطني والإسلامي تحت قيادة عسكرية واحدة و"غرفة عمليات مشتركة." ونتيجة لوجود هذه المقومات، والاستعدادات الجيدة، وتوفر القناعة وروح المقاومة والفداء، وتقبُّل القيادة السياسية الفلسطينية في حينه، متمثلة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات، الذي كان محاصراً ومعزولاً في أقل كيلومتر مربع في رام الله، لخيار المقاومة المسلحة وما ردفه بها معنوياً من خلال إطلاق مفهوم "جنين غراد،" والتواصل المباشر مع المقاومين في الميدان. هذا، بالتضافر مع القيادة السياسية لفصائل المقاومة الأخرى التي انضوت تحت الجبهة ذاتها في مقاومة الهجمة العسكرية الصهيونية على جنين. كما تنطلق الدراسة من فرضية أن نجاح المقاومة العسكرية في جنين في ظل ترد سياسي وعدم توازن عسكري شكَّل نموذجاً "للانتصار في أي مكان" على المستويات الفلسطينية، والعربية، والعالمية، كما حصل في حرب تموز التي شنتها إسرائيل على لبنان في العام 2006، وتذكير السيد حسن نصر الله-الأمين العام لحزب الله بنموذج النصر في جنين، شأنه في ذلك شأن القيادة العراقية، ونموذج الصمود في الحرب على غزة في حرب الكانونين في العام 2008-2009. ولعل آخر الفرضيات في هذه السياق تستند إلى أن نموذج الانتصار في جنين استطاع تدشين نموذج ردعي محلي في ظل ظروف عسكرية غير متوازنة. منهجية الدراسة (مفتتح غير أكاديمي) نظراً لخصوصية المقاوم/"الباحث" ومركزيته في معركة جنين نفسها (إعداداً، ومقاومةً، وأسراً، وتحملاً للتبعات)، وكونه قد شارك بفاعلية في "غرفة العلميات المشتركة" وإدارة عمليات "كتائب الأقصى،" وفاعلاً سياسياً من خلال تبوئه مراكز قيادية متقدمة في حركة فتح، وعضويته في المجلس التشريعي الفلسطيني... فإن الاعتماد المركزي سيكون على التأريخ الشخصي للمعركة. غير إنه، ولغرض المهنية البحثية والأمانة الأكاديمية، سيعمل المقاوم/"الباحث" على دراسة الأدبيات، الثانوية في معظمها، ومقارنتها بالشهادات الشخصية والوثائق (السمعية، والبصرية، والمكتوبة) التي لديه، وتلك التي جمعها أو حررها أو ساهم في إخراجها إلى النور خلال فترة اعتقاله في أعقاب المعركة، أو من خلال فاعليته الاجتماعية والثقافية والسياسية في مخيم جنين والمشهد الفلسطيني عموماً في الفترة الحالية. هذا بالإضافة إلى مجموعة من المقابلات مع شخصيات فلسطينية من مستويات: سياسية، وعسكرية، وإعلامية، نحو: القائد مروان البرغوثي، عزمي بشارة، صائب عريقات، ناصر القدوة، أحمد الطيبي، اللواء فيصل أبو شرخ، اللواء محمد ضمرة (أبو عوض)، وليد العمري ... وغيرهم. هنا، تُكتب هذه الرسالة لا كما تُكتب معظم الرسائل والأطروحات الأكاديمية، مع وافر الاحترام لها، ذلك أن كتابة ليست لغرض أكاديمي بحت، وإن كانت في سياق أكاديمي بحت، هو إنجاز متطلب أكاديمي لنيل درجة الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من جامعة بيرزيت. بل تأتي الكتابة في إطار تأمل المقاوم لتحوُّله إلى "باحث"-مع-وقف-التنفيذ في موضوع مقاومته، بين ضرورات التذكُّر وسياسات الذاكرة. بين من عاش التجربة، ومن يتألم منها، ومن يتأمل فيها ليخطو مع شعبه خطوة للأمام. وكمقاوم، قبل أن أكون، "الباحث" باحثاً-مع-وقف-التنفيذ ، كان هناك أربع محطات تم من خلالها التوثيق والتدوين للكثير من الأحداث التي ما زالت شاخصة بين باصرتيَّ, على الرغم من مرور الأيام: (1)   أولى هذه المحطات كانت مع الشهيد أبو جندل, حيث توافقنا، خاصة بعد اجتياح آذار في العام 2002، على توثيق وتدوين يوميات معركة نيسان, لما لذلك من أهمية في حفظ الذاكرة ونقل التجربة بما لها وما عليها، وتسجيلاً للمشاهدات والأحداث لاستخلاص العبر والإفادة وتأصيل وعي ومدارك الأجيال الفلسطينية التي أريد ويراد وسيراد لها نسيان خيار الكفاح المسلح ضد أعتى آلة عسكرية في المنطقة، وهي الآلة الاحتلالية الصهيونية. وقد تم الاتفاق على التوثيق من خلال الكتابة اليومية حول الأحداث كل في مكانه، وكان ذلك بطريقتين. طلبنا، في الطريقة الأولى، من الأخوة المقاومين المتواجدين في أمكنة أخرى تزويدنا بتفاصيل ما يحدث لديهم. وأما الطريق الثانية، فكانت بث "أخبار المقاومة" عبر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من أجل توثيق وحفظ هذه الأحداث. وقد كان ذلك لإدراكنا أن ما بحوزتنا من توثيق سيتم إتلافه أو فقدانه خلال هذا الاجتياح والعصف والتدمير.كنا نمتلك كاميرا فيديو كانت بحوزة أحد المقاومين واسمه غسان نغنغية, وقد قام بتسجيل الكثير من الأحداث إلا أنه تم تدمير هذه الكاميرا.كما تواجد لدينا أحد الصحافيين, مراسل جريدة الأيام من أبناء المخيم، وهو محمد بلاص، الذي قام بتسجيل الكثير من الروايات. (2)   أما المحطة الثانية، فكانت خلال مرحلة الاعتقال, إذ تم توثيق جزء من هذه التجربة من خلال الأسير وليد دقة، وإجراء توثيق مع عدد من المقاومين الذين تم اعتقالهم حديثاً، حيث تم تسجيل شهاداتهم ويومياتهم في المعركة. على الرغم من أنها اقتصرت على أربعة مقاومين لا يمثلون المعركة بشكل كامل. وقد كان ذلك من خلال كتابه الذي نشرته مواطن-المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، بعنوان: يوميات المقاومة في مخيم جنين  2002، والذي كان الدكتور عزمي بشارة، مشكوراً، قد أخرج مسوداته من السجن حين كان لا يزال عضواً في البرلمان عن حزب التجمع الديمقراطي الفلسطيني، الحزب الأكثر رؤيوية وحفاظاً على الخطاب الفلسطيني والهوية الوطنية في فلسطين المحتلة في العام 1948. (3)   وأما المحطة الثالثة، فكانت حين قمت بمحاولة توثيق أيام المعركة وشهاداتها من خلال مقابلة كل من شارك في المعركة بسبب معرفتي بهم وثقتهم بي أثناء التواجد في سجون الاحتلال الصهيوني. وأيضاً بسبب تنقلي المستمر في سجون الاحتلال حيث تنقلت ما يزيد على خمسين مرة خلال سبع سنوات ونصف,ما أتاح لي المجال لرؤية ومقابلة معظم المقاومين. وأحيانا كنت أحاول أن أنقل بعض الشهادات من خلال الأخوة المفرج عنهم أو من خلال بعض المحامين أو من خلال التواصل التلفوني "نقَّال مهرَّب" مع الخطيبة. ولكن الحقيقة المرة أن جزءاً كبيراً من الشهادات قامت إدارة السجون بإتلافه وتمزيقه. (4)   وأما المحطة الرابعة والأخيرة، فقد كانت تجربتي كـ"باحث،" بكل ما أثارته هذه الكلمة من تندُّر مشرفي الدكتور عبد الرحيم الشيخ الذي وصفني بـ"الباحث المجازف، غريب الأطوار، الباحث عن الجنون والمشاكل"، الباحث-مع-وقف-التنفيذ... تندراً على أنني لا ينبغي أن أصف نفسي بـ"الباحث" لأنني أكتب هذه التجربة في سياق أكاديمي، بل أن أحافظ على مكانتي كلاجئ، ومقاوم، وأسير، وسياسي، أو كباحث مغرق في المشاركة بخلق الفعل ومشاهدته في آن معاً، لا كـ"مؤرخ شفوي" ولا كـ"باحث إجرائي" ولا كـ"أنثروبولوجي محلي".... وذلك لتتجلى الموضوعية في أوضح صورها. وعليه، أجبرني مشرفي الأكاديمي، وزميلي، وصديقي على أن أستخدم ضمير المتكلم "ـي" بدلاً من "الباحث،" والضمير الجمعي "نا" بدلاً من الضمير الإشاري "ـهم" ! بنية الدراسة الفصل الأول: مقدمات معركة مخيم جنين (أسئلة المقاومة وأسئلة الكتابة): يتناول تقديماً عاماً للسياقين التاريخي والأكاديمي لمعركة مخيم جنين مع تركيز خاص على أسئلة المقاومة، وأسئلة الكتابة كثنائية أسهمت في صناعة معركة مخيم جنين كحدث تاريخي، وكموضوع للدراسة الأكاديمية التي تحاول فحص معاني هذا الحدث الاستثنائي في التاريخ الفلسطيني الحديث. يتكون هذا الفصل من مبحثين أساسيين: يضطلع المبحث الأول بتوضيح التركيبة الأكاديمية لموضوعة الرسالة، من حيث: مقاربة الرسالة لمعركة جنين، صورةً وأسطورةً؛ وكيف أسهمت في بلورة إشكالية هذه الدراسة؛ وتحديد فرضياتها؛ وتطبيق منهجيتها التي تتسم بقدر عال من الفرادة؛ وأهميتها؛ وصعوباتها؛ وحدِّ مصطلحاتها. فيما يتناول المبحث الثاني نقداً تفصيلاً للأدبيات التي تناولت موضوعة البحث الرسالة المركزية، وهي معركة مخيم جنين، وذلك لتسهل مقارنتها بيوميات المعركة كما ستروى على لسان من شارك فيها في الفصل الرابع من هذه الرسالة. وتغطي هذه المراجعة خمسة محاور، تتناول: الأدبيات الوصفية التي بوصف المعركة بتفاصيلها اليومية؛ والتقارير الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، الرسمية منها وغير الرسمية؛ والأدبيات التي تناولت المعركة إعلامياً؛ والأدبيات التي عنيت بالتركيبة القيادية والسياسية والعسكرية لمخيم جنين؛ وأخيراً، تقيم المعركة، الدروس والعبر المستفادة. الفصل الثاني: مخيم جنين في سياقه الفلسطيني: يغطي هذا الفصل مسحاً شاملاً لواقع مخيم جنين في سياقه الفلسطيني ضمن أربعة سياقات عامة: أولها، مخيم جنين في سياقه التاريخي، ويقدم خلفية تاريخية بانورامية عن مدينة جنين من العصر الكنعاني وحتى اللحظة، وموقع مدنية جنين، ومخيمها، نشأةً وموقعاً، في التاريخ الحديث والمعاصر، من حيث رياديتها في خوض معارك التحرر الفلسطينية منذ السنوات التأسيسية للهوية الفلسطينية مطلع القرن العشرين وحتى معركة مخيم جنين في العام 2002. فيما يتناول محور مخيم جنين في سياقه الاجتماعي، البنية الاجتماعية لأهالي المخيم، من حيث البلدان الأصلية للجوء، ومستويات المعيشة، ومرافق الحياة الاجتماعية الثقافية والتعليمية، والجهات الراعية لها. وأما المحور الثالث، فيختص بإلقاء الضوء على مخيم جنين في سياقه العسكري، حيث يتتبع نشأة أنوية المجموعات العسكرية المسلحة في جنين ومخيمها مركِّزاً على خلايا الفهد الأسود (الذراع العسكري لحركة فتح)، والنسر الأحمر (الذراع العسكري للجبهة الشعبية)، وكتائب الشهيد عز الدين القسام (الذراع العسكري لحركة حماس)، كما يلقي الضوء على بعض العمليات العسكرية التاريخية المؤسسة لأبناء جنين، وما كان لها من دور في تكريس ثقافة المقاومة في المخيم. وأما المحور الرابع، والأخير، فيركز على مخيم جنين في سياقه السياسي عبر سرد موجز للصراع العربي الإسرائيلي، وبدء "عملية السلام وانهيارها"، وبخاصة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية وتعثر تطبيق بنود اتفاقية أوسلو بفعل المماطلة الإسرائيلية.ويتضمن ذلك سرداً للملامح التفصيلية لمرحلة المفاوضات الثانية، وعودة حزب العمل إلى لحكم، وفشل قمة كامب ديفيد وما بعدها، مع توضح للموقفين الفلسطيني والإسرائيلي في قمة كامب ديفيد التي انتهت بانسداد الأفق السياسي، واندلاع انتفاضة الأقصى، وشن إسرائيل لعملية "السور الواقي" التي كان خوض معركة جنين من أهم معالم الرد عليها. الفصل الثالث: الإعداد للمعركة-الخارطة والميدان: يعمل هذا الفصل على توصيف الأجواء التي سبقت شن العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين، وبخاصة تصعيد الأعمال العدائية على المدن الفلسطينية، وحصار الرئيس ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله، وتهيئة الساحة الإسرائيلية والعالمية لضربة موجعة للفلسطينيين باستغلال أجواء "الحرب على الإرهاب" التي أتاحتها "عقدية بوش" بعد هجمات الحادي عشر من أيلول في العام 2001 على أمريكا. يغطي هذا الفصل هذه الأجواء من إرهاصات شن عملية "السور الواقي"، كما يغطي إرهاصات كسر"السور الواقي" على يد المقاومة الفلسطينية، وذلك ببدء التجهيز لصد العدوان الإسرائيلي الذي تبدت ملامحه في اجتياح آذار 2002 لمدنية جنين، وذلك عبر البدء بتشكيل غرفة العمليات المشتركة، ووضع الخطة العسكرية الفلسطينية للمعركة على المقاومة الفلسطينية للحيلولة دون تصفية المقاومة في مخيم جنين التي كانت هدف الحملة الإسرائيلية. وهنا، يتناول هذا الفصل سردية (ما قبل) اليوم الأول من المعركة، أي الإثنين 1/4/2002، مركزاً على فظاعة المخطط الإسرائيلي الراغب في "إعادة احتلال جنين،" وعلى تكهنات المقاومة الفلسطينية بالخطط العسكرية الإسرائيلية، وبخاص الخطة "U" مقابل الخطة "O" لاجتياح المخيم وتصفية المقاومة. الفصل الرابع: الصورة والأسطورة (يوميـات المعركة): بصبر وتفصيل هائلين، بسرد الفصل الرابع يوميات المقاومة في معركة جنين من يومها ما قبل الأول (الإثنين، الموافق 1/4/2002، وحتى اليوم التالي لانتهائها (الجمعة، الموافق 12/4/2002). وتسرد هذه اليوميات على لسان كاتب الرسالة بوصفه مشاركاً في المعركة منذ وضع الخطة وتشكيل غرفة العلميات وحتى اليوم الحادي العشر الذي تمت فيه مفاوضات إنهاء المعركة وتسليم من تبقى من المقاومين. وتتناول هذه اليوميات، على نحو تفصيلي، اليوم الأول الذي هو ما قبل ساعة الصفر والذي ترصد فيه هواجس المخيم وهواجس الاحتلال قبل بدء المواجهة؛ واليوم الثاني الذي تسرد فيه كيف أكملت قوات الاحتلال الإسرائيلية حصارها، وكيف استكملت المقاومة في جنين إعدادها وعزيمتها؛ ثم تواصل المذكرات سرد قصص الشهادة والفداء السوريالية في اليوم الثالث؛ والتي تستمر لليوم الرابع حيث يحقق المقاومون رهان الرئيس ياسر عرفات بصمودهم وإيقاعهم لخسائر مؤلمة في صفوف العدو؛ إلى اليوم الخامس الذي تتحقق فيه مزيداً من الإنجازات العسكرية عبر كمين في حارة الطوالبة؛ وفي نهاية هذا اليوم وبدء اليوم السادس تستمر المقاومة، وجثث شهداء تدفن على دفعات، وتلقي إسرائيل قنابلها (شبه) الفراغية؛ ليأتي في اليوم السابع كمين رفع المعنويات في مواجهة حارة أبو جواد؛ وكأنه تحضير لليوم الثامن الانتقالي (عبر مزيد من الشهداء)؛ نحو اليوم التاسع، يوم كمين الـ 13 المبارك/"القاتل الذي سقط فيه 13 جندياً إسرائيلياً، أسهم سقوطهم في زيادة تكالب القوات الإسرائيلية لإنهاء المعركة، وعدم دفع المزيد من الخسائر... نحو اليوم العاشر وشهيده "الفعلي" مع وقف التنفيذ؛ إلى اليوم الحادي عشر، يوم الحصار الأخير ومُرِّ الخيارات بالتفاوض لإنهاء العمليات العسكرية وتسليم من تبقى من المقاومين. وأخيراً، يوم ما بعد الانتهاء الفعلي للمعركة، اليوم الثاني عشر، الذي قضى فيه شهيداً أبو جندل، "المايسترو" و"رئيس غرفة العمليات،" الذي كان أول القتلى وآخر من يموت. الفصل الخامس: خلاصات معركة جنين (وملاحظات نقدية): يتأمل هذا الفصل، الأخير من الرسالة، في معركة جنين بوصفها تجربة قابلة للتناسخ. وهذا "الفصل الأخير" من الرسالة لا يكتب بوصفه "خلاصة" كما هو الحال في معظم الرسائل والأطروحات الأكاديمية، مع وافر الاحترام لها، ذلك أن الكتابة هنا ليست لغرض أكاديمي بحت، وإن كانت في سياق أكاديمي بحت، هو إنجاز متطلب أكاديمي لنيل درجة الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة من جامعة بيرزيت. بل تأتي كتابة لهذا الفصل في إطار تأمل المقاوم لتحوُّله إلى باحث في موضوع مقاومته، بين ضرورات التذكُّر وسياسات الذاكرة. بين من عاش التجربة، ومن يتألم منها، ومن يتأمل فيها ليخطو مع شعبه خطوة للأمام. وعلى ذلك، يتناول هذا الفصل خلاصات الرسالة وخلاصة المعركة ككتلة واحدة، فيرصد محطات توثيق تجربة معركة جنين: خلال المعركة، وفي الأسر، وبعد التحرر من الأسر، وأثناء الدراسة الأكاديمية؛ ويركز على صعوبات إجراء هذه الرسالة بين "الباحث" و"المقاوم؛" كما يعرض بعض التأملات  في "الخطة العسكرية" التي وضعتها المقاومة، و"يوميات المقاومة" نفسها بوصفها تنفيذاً لتلك الخطة أ خروجاً عنها، بالإضافة إلى مسرد خاص للدروس والعبر من ميدان المعركة، وتجربة الكتابة عنها. صعوبات الدراسة تتجلى أكبر صعوبات هذه الدراسة في صعوبة البحث بين عالم "المقاوِم" وعالم "الباحِث" وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت تجربتي  كباحث أصعب بكثير من تجربتي كمقاوم, وذلك للأسباب التالية: 1.     أن ثمة الكثير من المعلومات الحساسة التي ينبغي إبداء الكثير من الحرص في الخوص في تفصيلاتها سواء على المستوى العسكري، أو السياسي، أو الاجتماعي داخل مخيم جنين وخارجه، قبل معركة مخيم جنين، وأثناءها، وبعدها، وحتى الآن؛ 2.     أنني أقوم بالكتابة بعد فترة طويلة من وقوع المعركة؛ 3.     عملية تجميع المصادر والمراجع المختلفة كانت صعبة لأن توثيق المعركة لم يتم بشكل علمي وموضوعي، وكل من كتب ووثق المعركة، باستشناء الشهادات التي جمعها الأسير وليد دقة ربما، لم يكن متواجداً في المعركة في الغالب؛ 4.      كان هناك تحيز حزبي واضح وعدم موضوعية في كتابة هذه "الشهادات"؛ 5.     لاحظت مبالغة الأهالي، وأحيانا بعض المقاومين، في سرد بعض الأحداث وعدم صحتها أحيانا؛ 6.      عميلة التوثيق، رسمياً، كانت قليلة، وحين تمت كانت "المصادر" بسبب عدم توثيق الرسمي للأحداث بشكل جدي، وعدم إعطاءها الاهتمام الكامل؛ 7.     وجدت صعوبة عند كثير من المقاومين، الذين تم الإفراج من السجون، في تذكر الأحداث, أو عدم الرغبة، التي أتفهمها، في زيادة الطين بلة في "تضخيم ملفهم الأمني!" لدى العدو الصهيوني. نتائج الدراسة تأملات في "الخطة العسكرية" و"يوميات المقاومة" وعلى الرغم من هذه الصعوبات وغيرها، فإنه لا يزال التأمل ممكناً لاستخلاص العبر. فالخطة العسكرية للمعركة التي اتفق على تنفيذها بعد رسمها في غرفة العملات المشتركة، لم تكن خطة عسكرية محكمة ومبنية على معلومات دقيقة. وكانت ناتجة عن تجارب المقاومين في معارك سابقة وخبرتنا جميعاً متواضعة، خاصة أن القيادة العسكرية والأمنية الفلسطينية (على المستوى الفلسطيني الوطني) لم تشارك ولم تساعد في وضع الخطة لأسباب سياسية تتعلق بخيارات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في مرحلة ما بعد أوسلو. وبالتالي، فلم ترق خطتنا إلى مستوى الخطط العسكرية بمفهومها المعاصر. وأثناء المعركة وتقدم أحداثها وتقدم قوات الاحتلال الإسرائيلية لم يكن هناك أهمية كبيرة للخطة العسكرية, بل أصبح لكل مجموعة ولكل محور مقاوم تكتيكهم عسكري الخاص بظروفهم وأوضاعهم، ولم يوجد تواصل حقيقي بين المجموعات الموزعة على حارات المخيم مع تقدم الأحداث. وعلى ذلك، فقد تمت ملاحظة عدم التزام الكثير من المقاومين بمواقعهم كما هو الحال مع مجموعة أبو جندل.كما لم يؤخذ بعين الاعتبار هطول الأمطار، مثلاً، وأثرها السلبي على العبوات والمتفجرات المزروعة في الأرض والتي أبطل مفعول بعضها بسبب الأحوال الجوية.كما إن المقاومة لم تتوقع أن تقوم الجرافات بهدم أحياء بكاملها. كما لوحظ عدم توفر إمكانات لوقف تلك القوات حيث لم يكن لدى المقاومة سوى قذيفة آر.بي.جي واحدة مع العلم انه تمت مصادر العديد من هذه القذائف والقافات من مقرات أجهزة أمنية في مختلف مدن الضفة الغربية بقيت رهينة مخازنها إلى أن اجتاحتها وصادرتها قوات الاحتلال الإسرائيلية. وقد كان عدم وجود إسناد قوي في الخطوط الخلفية للعدو الإسرائيلي وإرباك خططه من العوامل التي لم تساعد المقاوم. هذا، بالإضافة إلى عدم فاعلية وسائل الاتصال، واعتماد وسائل بدائية، ومكشوفة للعدة، مع العلم أنه تمت الإشارة في يوميات المقاومة في الفصل الرابع من هذه الرسالة أن انكشاف الاتصالات للعدو لم يؤثر سلباً على أداء المقاومة، بل كان في الغالب في صالحها نظراً لضيق مساحة الحركة في ساحة المعركة، وعدم وجود هامش وقت طويل لتحليل المعلومات حين/وإن تم اعتراضها من قبل العدو. كما أفاد انكشاف الاتصالات في تحقيق بعض أهداف حربنا النفسية أحياناً. هذا بالإضافة إلى أن اللجان التي تم تشكيلها لم يتم التزام كل بعملها، ما أدى إلى تداخل في المهام، كان حميداً في معظم الأوقات نتيجة لضيق مساحة الجبهة. وخلاصة القول في موضوع الخطة العسكرية وغرفة العمليات المشتركة (التي انهارت بانهيار المقرين اللذين تم الاتفاق عليها لقيادة غرفة العلميات في أول أيام المعركة!)، أن الخطة العسكرية، وضعف الإمكانيات، لم تتناسبا مع قوة وضخامة إمكانية العدو الإسرائيلي. أما بخصوص يوميات المقاومة، فقد كان ثمة صعوبة لدي في سرد الأحداث والمشاهد يوما بيوم وساعة بساعة، حيث تداخلت الأيام (التي كانت متداخلةً أصلاً خلال المعركة!) بحيث لم يكن من الممكن بشكل دقيق معرفة وقوع حادثة استشهاد أو معركة في وقت محدد مائة بالمائة, حيث أننا ونحن في أتون المعركة مررنا بظروف ولحظات لم ندرك الوقت أو اليوم, حتى الأذان لم نسمعه لتحديد الوقت بسبب قطع الكهرباء عن المخيم بفعل القصف المتعمد لمحولات الكهرباء على أيد قوات الاحتلال الإسرائيلية كتمهيد لهجومها. ففي بداية المعركة حاولنا أن يكون هناك مؤذن من المقاومين، لكن في أوقات لاحقة واشتداد الحصار أصبح من الخطورة إصدار أي صوت. وثمة صعوبة في كتابة بعض الأحداث من الناحية الأمنية والسياسية والاجتماعية. فمن الناحية الأمنية، لا يمكن ذكر بعض أسماء المقاومين الذين ما زالوا على قيد الحياة في السجن وخارجه؛ ومن الناحية السياسية تبدل خيارات القيادة الفلسطينية وأسلوب إدارة الصراع مع الاحتلال عما كان عليه الحال مع الرئيس الراحل ياسر عرفات. وأما من الناحية الاجتماعية، التي لها علاقة بخصوصية الناس وأسرارهم، فلم يكن بالإمكان الولوج فيها بالتفصيل لنا فيها من حساسيات اجتماعية قد تؤذي البعض، أو قد تؤثر على اللحمة الوطنية والسلم الاجتماعي الوطني العام. كما إن من أبرز الصعوبات، في هذا السياق، صعوبة العودة في الذاكرة لأيام مر عليها وقت طويل, وتذكر تفاصيل الأحداث, ذلك أنه حتى المراجع والمصادر المختلفة، والجرائد، والبيانات الرسمية، لم تكن متوافقة في تفصيل أحداث ويوميات المعركة.كما أن صعوبة التواصل مع بعض الأخوة في السجون حال دون معرفة  بعض التفاصيل والوقائع. إضافة إلى أن حساسية بعض الأحداث المتعلقة  ببعض الشهداء وذويهم حالت دون ذكر هذه الأحداث، او تذكرها، لما تثيره من مشاعر الأسى والحزن لديهم. دروس وعبر من الميدان أما على المستوى الاستراتيجي الفلسطيني العام، فلا بد من الاستخلاص بأن أهم أسباب الصمود والإنجاز في  معركة مخيم جنين هو استفادة المقاومة واستخلاص العبر التفصيلية من المعارك السابقة، وأهم هذه العبر أن: 1.     لا سلاح بعد الإيمان بالله والتوكل عليه والاستعانة به التسلح بالإرادة، مقابل الرعب والخوف الذي يملأ قلوب العداء، والوحدة الوطنية والتنسيق والتعاون الفصائلي لا يجوز التخلي عنه بل يجب جعله أهم الأولويات الفلسطينية، ذلك أنه كان صمام البقاء والصمود والانتصار في معركة مخيم جنين؛ 2.     تلاحم المقاومة مع المدنيين، واكتساب تأييد الأهالي أمر في غاية الأهمية لنجاح المقاومة واستمرارها. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنه كان للاحتياطات في موضوع الماء والكهرباء والاتصالات، وبخاصة التركيز على هواتف لا تستطيع قوات الجيش تعطيلها، ومولدات بديلة للطاقة، واستخدام "التموين الشعبي" و"الإمداد المناطقي" كبديل عن التموين والإمداد المركزي (على المستوى الوطني لقوات الأمن الفلسطينية)...كان لكل ذلك الأثر البالغ في صمود المقاومة واستمرارها وتكبيد العدو خسائر فادحة؛ 3.     وفي المقابل، ثمة ضرورة وطنية لتطهير البيت الداخلي من الجواسيس والخونة وتحصين المجتمع والمقاومة الفلسطينية منهم، فقد كان لهؤلاء الدور الخطير في تعظيم الخسائر الفلسطينية في هذه المعركة نتيجة لما أمدوه للعدة من مساعدة سواء على شكل معلومات استخدمت في الحرب الاستخبارية في كافة مراحل المعركة، أو مساعدات لوجستية على الأرض؛ 4.     كان لا بد من توفير مستشفيات ميدانية محصنة أو عيادات طوارئ موزعة بشكل مدروس في ظل خرق قوات الاحتلال الإسرائيلية لكافة المواثيق المتعلقة بكفالة حرية الحركة لسيارات الإسعاف والنجدة الطبية أثناء المعارك، إذ كان هناك خلل واضح أدى إلى بقاء جرحى نزفوا حتى الاستشهاد، وكان يمكن إسعاف بعضهم وإنقاذهم، وبخاصة أولئك الذين لم يلزمهم عمليات جراحية، وكانوا أصيبوا إصابات خفيفة أو متوسطة. وهنا، يجب التذكير انه كان لمحاولات المقاومين، في بعض الأحيان، إنقاذ الجرحى من الشوارع المكشوفة مردود خطر أضر بهم، فلا بد من التأكد من سلامة الوضع والموقع قبل التحرك بدافع العاطفة، ولكن يجب أن نتحكم بها بوعينا وتعقلنا وحساب النتائج. وقد يكون وجود العيادات الميدانية حلاً أقل خطورة لهذه الحالات؛ 5.     عدم المغامرة لغنم سلاح العدو أو التعرض في الشوارع المكشوفة لاحتجاز جثة جندي قتيل لأن كل تلك الحالات أودت بحياة مقاومين، كان ثمة ضرورة قصوى لعدم "التهوُّر" والاستخفاف بـ"قواعد الاشتباك" في حرب الشوارع لنيل نصر سريع في هذه المواجهة أو تلك.ويلحق بهذا الأمر التنبه إلى أن أسلحة الجنود قد تكون مشفرة ليمكن تتبعها، وإذا وقعت بأيدي المقاومين فقد تدل الطائرات عليها، وقد ذكر هذه الحوادث عدد من المقاومين واستشهد بعضهم بالصواريخ الموجهة لأماكن مثل هذه الأسلحة. كما ينطبق هذا على الحذر من استخدام الزي العسكري للعدو، والتخلص منه حال الانتهاء من تنفيذ عملية عسكرية معينة به، وذلك حتى لا يصاب المنفذ بنيران صديقة من قبل المقاومين. ولعل التنسيق بصور أكثر دقة، ووجود غرفة عمليات فعلية، في حالات قادمة تكفل عدم وقوع مثل هذه الأخطاء؛ 6.     ينبغي تركيز المقاومة على العبوات والمتفجرات، لأنها أسهمت بشكل فعال في تعزيز المقاومة إيقاع الخسائر بالجنود، وفي إعاقة تقدُّم قوات الاحتلال الصهيونية؛ 7.     ضرورة الاستفادة من "حرب الشوارع" في محيط مدني، كمخيم جنين، ومن ذلك الخطة الذكية التي وضعها أبو جندل: وهي إذا نفذت الذخيرة يمكن للمقاومين أن يدفنوا سلاحهم، وأن يظهروا كمدنيين غير مقاومين، وإذا تمكنوا من النجاة يعيدون الكرة بالبحث عن عتاد وتقديم عون ومدد للمقاومة من جديد؛ 8.      ضرورة التخفيف من تركيز المقاومين في موقع المعركة، كالمخيم، وتوزيعهم في مواقع أخرى لضمان استمرار المقاومة في أوضاع تكون أقل صعوبة وأكثر مرونة. وأخيراً، ينبغي تكرار القول إن معركة جنين كانت التجربة العسكرية الفريدة وتكاد تكون الوحيدة في تاريخ الانتصارات الفلسطينية من داخل فلسطين المحتلة (بعد تأسيس دولة إسرائيل العنصرية في العام 1948 وحرمان الفلسطينيين من تشكيل حداثتهم وإقامة دولتهم) مقارنة بمعارك مثل الكرامة، وبيروت، والحصارات المتوالية على الفلسطينيين وقيادتهم التاريخية. كما ينبغي القول إن توثيق معركة جنين ليس مجرد ذكرى شخصية، بل هو مسؤولية جماعية في حفظ الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وتدشين فصول البطولة الفداء في تاريخها الطويل، لا من باب تهنئة النفس، بل لدواعي الإصرار على خيار المقاومة في مخيم جنين كطريق للنصر والحرية، وكنموذج قابل للتناسخ ما دامت ثنائية الخير والشر قائمة، وما دامت الاحتلال قائماً، فلا بد أن يظل خيار المقاومة قائماً. توصية الدراسة •         يا أبو مازن بدنا سلاح! ويذكر أن حويل رئيس لجنة الاسرى في مفوضية التعبئة والتنظيم التابعة لحركة فتح واسير محرر امضى 11 عام في سجون الاحتلال وطورد لمدة عاميم وهو شقيق االشهيد نجيب حويل اول شهيد للفهد الاسود في جنين .