تاريخ النشر: 2024/11/09 - 10:39 مساءا
كتب العقيد علي العمله
مدير دائرة التوجيه السياسي والمعنوي بالشرطة
في موقف مؤثر يعبر عن معاني الإنسانية والأخلاق الرفيعة التي يتحلى بها رجل الشرطة الفلسطيني، قام مدير مركز شرطة نوبا شمال غرب الخليل بمبادرة استثنائية تتجاوز حدود الواجب، مقدماً نموذجاً نادراً لرجل الشرطة الذي يمزج بين حرصه على تطبيق القانون ودفء الإنسانية، فعندما تلقى بلاغاً عن وجود شخص مطلوب للعدالة وقد صدر بحقه العديد من المذكرات القضائية، تحرك على الفور لتنفيذ هذه الأوامر، لكنه وجد نفسه أمام واقع إنساني مؤلم؛ أسرة تعاني قسوة الحياة، وأطفال يواجهون أمراضاً مزمنة دون معين، وطفلة صغيرة تعاني من إعاقة بصرية ولا تستطيع الحركة، بينما يعاني والدهم من عبء الديون التي أثقلت كاهل أسرته.
وجد الضابط نفسه بين تنفيذ واجبه تجاه القانون وبين نداء الرحمة الذي فرض نفسه. لم تكن هذه مجرد مهمة؛ بل مواجهة لواقع يتطلب قلباً ينبض بالإحساس وضميراً حيّاً يستجيب لمعاناة الآخرين، لم يتردد الضابط في اتخاذ قراره، وتواصل مباشرة مع مدير شرطة محافظة الخليل الذي بدوره أصدر تعليماته بتقديم الدعم الفوري والشامل للعائلة، مؤكدا على أهمية عدم إغفال الجانب الإنساني في هذه المهمة.
في لحظة واحدة، تحولت الشرطة من قوة تنفيذية إلى أيادٍ رحيمة تمتد بالعطاء، حيث بادر رجال الشرطة بتأمين جميع الاحتياجات الغذائية والدوائية، وتوفير وسائل التدفئة، وسداد إيجار المنزل، والعمل على تسهيل علاج الأطفال وتوفير التأمين الصحي لهم، لقد أثبتت هذه المبادرة أن الشرطة الفلسطينية ليست مؤسسة أمنية بحتة، بل هي ضمير حي يسعى جاهداً للحفاظ على كرامة المواطن الفلسطيني وتجسيد عميق للمعاني الإنسانية. فالأمانة تتطلب تطبيق القانون لإيصال الحقوق لأصحابها، ولكن دون إغفال الجانب الإنساني، فكانت النتيجة هذا التصرف الراقي الذي يتفهم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها أبناء الشعب الفلسطيني.
يأتي هذا الموقف كامتداد لمواقف إنسانية عديدة تقوم بها الشرطة الفلسطينية، بفضل سياسة قائد الشرطة اللواء علام السقا الذي يحرص دوماً على إبراز الجانب الإنساني في عمل الشرطة، مؤكداً على تطبيق فلسفة المؤسسة الشرطية بأبهى صورها وهي:
"إننا نخدم أبناء الوطن ليس كواجب فقط، بل كعهد وميثاق، نتحمل مسؤوليتنا تجاههم في كل ظرف وتحت كل اسم."
كما ترتكز هذه الفلسفة على أن العدالة الحقيقية هي تلك التي لا تتجاهل ضعف الإنسان ولا تتغافل عن حاجاته الأساسية.
وفي مشهد مؤثر، وعند مغادرة الضابط المنزل، سأل أحد الأطفال بعينين تتعلقان بالأمل: "يا عمو، هل ستعود لزيارتنا؟" فابتسم الضابط بحنو، وأجابه بوعد صادق بأنه سيعود قريباً.، فكانت هذه الابتسامة اكبر من مجرد كلمة؛ بل كانت وعداً بأن الشرطة الفلسطينية ستبقى دائماً بجانب أبنائها، حاميةً وداعمةً لهم، وأنها لن تتوانى عن مد يد العون في أشد الأوقات.
هذا الموقف يترك أثراً عميقاً في النفوس، مبرهناً على أن رجل الشرطة الفلسطيني ليس حارساً للأمن فقط بل هو ضمير الوطن ويد حنونة تلامس قلوب الناس. إنها صورة تُلهم الجميع بأن المجتمع الفلسطيني، ورغم قسوة الحياة وظروفها، يظل متماسكاً بفضل هؤلاء الرجال الذين لا يكتفون بأداء الواجب، بل ينشرون الرحمة في كل زاوية ويسعون لأن يكونوا صوتاً لكل مظلوم وعوناً لكل محتاج.
إنه لأمر يبعث على الفخر والأمل، أن نرى في كل ضابط شرطة فلسطيني، روح الوطن وقلبه، حيث يلتقي القانون بالرحمة والسلطة بالإنسانية، لتبقى الشرطة الفلسطينية رمزاً شامخاً للكرامة والعدالة الحقه.