تاريخ النشر: 2022/08/21 - 12:55 مساءا
علاقة الأخلاق بالإيمان علاقة طردية، فإذا زاد الإيمان، ارتقت الأخلاق وقربت من الكمال بنفس قدر زيادة الإيمان، وإن ضعف الإيمان ضعفت الأخلاق، هذا ما قرره النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث وموقف، قال صلى الله عليه وسلم، "الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل"، وقال "أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا"، "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا"، "الحياء والإيمان قرناء فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"، "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".
وفي حديث حكم بالنار لإمرأة كثيرة الصوم والصلاة مؤذية لجيرانها، وبالجنة لإمرأة قليلة الصوم والصلاة، لطيفة طيبة مع جيرانها، وفي آخر يبين أن المفلس، هو من يأتي في الآخرة بأعمال صالحة لكن قد تعدى أذاه غيره، فقد شتم وسب وخان وغدر وظلم، فتأكل كل تلك السيئات حسناته، فإن فنيت حمل على ظهره من أوزار من آذاهم، فألقي بسوء خلقه وزيف إيمانه في النار، وغير ذلك مما تحدث عن صفات المنافقين وأخلاقهم.
لقد جاء الإسلام لينقل البشرية من عالم فوضوي، فاقد للأخلاق والمثل، إلى عالم إنساني راق، وما ورد في سنة النبي من أقوال، وفي سيرته من أفعال أبهر الدنيا، وبين عظمة هذا الدين، إذ لا يشذ عنها خلق حسن بين الإنسان وربه، وبين الإنسان والإنسان.
نبيٌ قدوة
لقد كان رسول الله، وهو نبي الإسلام، وقدوة المسلمين، مثلا أعلى للخلق الحسن، وترجمة عملية لكل ما جاء في القرآن، فتوارث الناس عنه الأدب وما زالوا، وانتشر الإسلام برقيه وما زال، فما من خلق أمر الإسلام به، إلا وكان رسول الله على درجة الكمال فيه، لقد كان سمحا لا يبخل، شجاعا لا ينكص، عدلا لا يجور، صدوقا لا يكذب، أمينا في كل أحواله لا يخون "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"، وما حكاه عنه أعداؤه قبل أصحابه يشهد له، وفي سيرته وسنته مجال فسيح، وميدان واسع لمن أراد أن يعرف.
الإنسان بين الخير والشر
يعتمد الإسلام على تهذيب النفس البشرية أولا، ويكرس كل جهوده ليجعل من تعاليمه جزءا من جوهرها، فالنفوس إذا لم تصلح أظلمت آفاق الأمم، وسادت الفتن، وانتشرت الفوضى، وما بقيت دعوة مثلما تبقى الدعوات التي تنقش مبادئها في أعماق النفس، فتهيمن على تفكيرها، وتتحكم في ميولها، وما خلّد الزمان إلا حضارة تمسك أهلها بالأخلاق، وأعلى أصحابها شأن المبادئ.
الإسلام وإصلاح النفس
إن الإسلام يتعامل مع النفوس من ناحيتين، أولاهما: الخير الذي في فطرتها، فيسدي إليها كل ما يقويه، وما ينفخ فيها روح البذل، وعمل الخير، وثانيهما: النزعات الطائشة التي تعتري النفس، والتي قد تتكون من رواسب القرون الماضية، وتقاليد البيئات الساقطة، أو من كليهما معا، لذا يقوم جهاد الإسلام على كفاحها، وكسر حدتها، وإنقاذ الفطرة من أدرانها، حتى تعود صفية أصيلة مثلما خلقها الله "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".
إن الإسلام يفرق بين أهواء النفس المحرمة ومطالبها المقررة، ولا يخلط بينهما، فقد شرع للإنسان ما تحتاجه نفسه، وحرم عليه ما يضرها، فحرم التضييق على النفس فيما ترجوه وتشتهيه من الحلال، كما حرم عليها ما لا يليق بها كنفس إنسانية مسلمة من الرذائل والنقائص "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين".
إن حظر الحلال على الناس أخو السوء والفحشاء، فإن الإسلام يحترم الفطرة الطيبة، ويغذيها بتعاليمه وعباداته التي تكوّن الأخلاق بالتدرج، ويحذر الأهواء الجامحة، ويقيم السدود في وجهها.
الحدود على الجرائم الخلقية
الحرية النفسية أساس المسئولية، لأن الإكراه على الفضائل لا يصنع الإنسان الفاضل، ولا المؤمن الكامل، لذا يتدرج الإسلام في تربية الإنسان، وفي تحطيم القيود وإزالة الأثقال، ولا يصدر حكما بعزل الإنسان عن المجتمع إلا إذا كان بقاؤه على الآخرين شر.
إن الإسلام قبل تطبيق الحدود يفترض أن الإنسان يحب العيش بالخير وفي خير، فيوفر له ما يعينه على هذه الحياة، فإن قصر المجتمع في ذلك حوسب على التقصير قبل أن يحاسب الإنسان المخطئ، فلا يقيم حد السرقة مثلا، إلا إذا درس حالة السارق، لم سرق؟ وما عذره؟، وهل كان في ضرورة أم به مرض؟ أم هو الذنب الذي يستحق العقاب؟، كل ذلك حتى يقي الإنسان العقاب، ويفتح له مع الحياة وربه صفحة ناصعة.
الأخلاق تشمل الجميع
صحيح أن لكل دين شعائره التي تميزه، غير أن الأخلاق في الإسلام للناس قاطبة، فالمسلم مكلف أن يلقى أهل الأرض كلهم بالأخلاق الحسنة، فلا يباح حسن الخلق مع المسلمين، وسوء الخلق مع غيرهم، فحرام على المسلم أن يرتكب أي إساءة مع المسلمين أو غيرهم.
خلق الصدق
خلق الله السموات والأرض بالحق، وأمر الناس أن يقيموا على الحق حياتهم، وأن يكون الصدق عنوانهم، وحرم الكذب في الأقوال والأفعال، وطارد الكاذبين.
إن الكذب دليل فساد النفس، ولا عذر لمن يتخذ الكذب حرفة يقتات عليها، ويعيش منها، وتتنوع أشكال الكذب - فكذب الحاكم على شعبه، والكذب على الله ورسوله وشريعته، وأصول دينه ومبادئه، وكذب الناس بعضهم على بعض في أقوالهم ومعاملاتهم، والبيع والشراء بالكذب، والزيغ في الشهادة، وتزكية المرشحين للمناصب العامة بالكذب - وكلها في الإسلام محرمة.
لقد أمر الإسلام أن يُربى النشء على الصدق، حتى يترسخ في كيانه، وطالب الآباء بتحريه مع أبنائهم، وقت الجد والهزل، حتى لا تضطرب نفس الطفل ويختلط عليه الصدق والكذب، لذا حرم الإسلام المزاح واللهو بالكذب، ومدح الناس بالكذب مبالغة في التمدح والثناء وتضخيم المحامد، وطالب بحثو التراب في وجوه هذا الصنف المتملق من الناس.
إن الأجدر بالمسلم الصدق دائما، ولا يجوز له أن يعتذر عن خطأ وقع فيه بالكذب يظن أن ذلك ينجيه، وما ارتقى أحد عند الله بمثل الصدق مع الله ومع الناس، إذ يورثه ذلك الجنة، ويكتب عند الله صديقا، وما نال أحد غضب الله بمثل الكذب، إذ يورثه ذلك النار، ويكتب عن الله كذابا.