تاريخ النشر: 2016/08/30 - 07:28 صباحا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الأضحية :
أيها الأخوة الكرام: ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك، هناك سنةٌ من سنن أبينا إبراهيم عليه السلام، ومن سنن سيدنا محمد عليه أتمّ الصلاة والسلام، ألا وهي الضحية.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ))
[ أحمد و ابن ماجه عن أبي هريرة]
الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، استنبط من هذا الحديث أن الأضحية واجبةٌ، واجبة، وبعض العلماء في بقية المذاهب استنبطوا أن حكمها سنةٌ، من سنةٍ إلى سنٍة مؤكدة إلى واجب، أي أعلى درجة في الحكم الشرعي عند أبي حنيفة استنبط من هذا الحديث الشريف أنه:
(( من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ))
[ أحمد و ابن ماجه عن أبي هريرة]
ومعنى سعة أنه ما زاد على نفقاته الأساسية، فهو في سعة، أو من ملك نصاب الزكاة فهو في سعة، أو من كان بإمكانه أن يستقرض ثمن الأضحية، وبإمكانه أن يوفي هذا الثمن، فهو في سعة، على اختلاف المذاهب، على كلٍّ:
(( من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا ))
[ أحمد و ابن ماجه عن أبي هريرة]
الأضحية إذاً واجبة على المسلم الحر، لا تجب على العبد المقيم لا تجب على المسافر الموسر، لا تجب على الفقير. المسلم الحر المقيم الموسر.
الحكمة من الأضحية :
حكمتها؟ أولاً: هي في الأصل شكر لله عز وجل على أن أعطاك عمراً إلى هذا العام، وسلمك من كل مرضٍ خطير، وجعلك موسراً، أي عشت إلى هذه الأيام، وكنت في صحةٍ، وجعلك موسراً.
حكمتها: التوسعة على الأهل، والأصدقاء، والفقراء، روعة الأضحية بإمكانك أن تأكل منها، وبإمكانك أن تطعم منها أصدقاءك غير الفقراء، وبإمكانك أن تقدم منها للفقراء، إذاً هي في الأصل توسعة.
وقت وجوبها :
أيام التشريق الثلاث، أي أول يوم من أيام عيد الأضحى المبارك، واليوم الثاني، واليوم الثالث، من بعد صلاة العيد، من ضحى قبل صلاة العيد فليعد ذبيحته، من بعد صلاة العيد، وحتى عصر اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك، أو إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك.
أولاً: بعضهم يتوهم أن دفع المبلغ- ما قيمة الأضحية- أيسر وأوفر وأسرع وأسهل، الجواب: لا ، لأن الفقير إذا كان عليه دين وأعطيته مبلغاً من المال، يفي به دينه، ويبقى أولاده جائعين، أما إذا قدمت له لحماً، هذا اللحم لابد من أن يصل في النهاية إلى أفواههم فيشبعون، واللحم غذاء أساسي جداً، وهو سيد الطعام كما قال عليه الصلاة والسلام، وهناك أناس كثيرون، لا يسمح لهم دخلهم أن يأكلوا لحماً. إذاً ذبح الذبيحة وتوزيع لحمها أفضل بكثير من دفع ثمنها للفقراء.
ما يجوز في الأضحية و ما لا يجوز :
تجوز الأضحية من الغنم من ضأنٍ أو معزٍ، ومن الإبل والبقر، في الغنم يشترط أن تتم الغنمة ستة أشهرٍ إن كانت ضأناً، وسنةً إن كانت معزاً، ولا تصح التضحية بدابة فيها مرضٌ يؤثر على لحمها، فالهزيلة جداً، العمياء، ولا العوراء، ولا العجفاء، ولا العرجاء. هذه هدية العبد إلى ربه:
(( عظموا ضحاياكم فهي على الصراط مطاياكم))
[ الديلمي عن أبي هريرة]
إذاً يستحب في الأضحية أسمنها، وأحسنها، لقوله صلى الله عليه وسلم:
(( عظموا ضحاياكم فهي على الصراط مطاياكم))
[ الديلمي عن أبي هريرة]
الأضحية في الأصل هدية إلى الله عز وجل، هدية العبد إلى ربه، وقربة إليه، فليحسن أحدنا انتقاء الدابة التي ينبغي أن يضحي بها.
فقد كان عليه الصلاة والسلام يختار الكبش الأبيض الأقرن ويستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته، وأن يهدي منها أقرباءه وأصدقاءه وجيرانه، وأن يتصدق بثلثها أو أكثر.
ليس هناك نسب محددة، لكن بعضهم قال: الثلث تأكله، والثلث تهديه، والثلث تتصدق به.
إذا الإنسان قدمت له قطعة لحم في العيد لا ينبغي أن يردها، أخي أنا لست فقيراً، هي ليست للفقراء حصراً، هي للفقراء، للأصدقاء، أي الإنسان لو كان ميسوراً، قدمت له قطعة لحم هذه ينبغي أن يأخذها جبراً للفقير، حتى يحس الفقير أن كل إنسان يمكن أن يقبل هذه القطعة.
قال تعالى:
﴿ فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر﴾
[ سورة الحج: 36 ]
ولا يجوز بيع جلدها , ويستحسن أن يحضر صاحب الأضحية الذبح، فإن استطاع أن يذبح فليذبح بيده. قال تعالى:
﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ﴾
[سورة الحج:37]
الأضحية تعبير عن شكر الله عز وجل :
إذاً موضوع الأضحية أن العبد إذا عاش من عام إلى عام، ومدّ الله بعمره، فهي تعبير عن شكر العبد لربه، أن مدّ في عمره وجعله صحيحاً، وجعله مسيراً، ثلاث نعم.
لأن الله عز وجل قال:
﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانَ حين منَ الدَّهرِ لمْ يكُن شيئاً مذكورا ﴾
[ سورة الإنسان:1]
فإذا انتهى الأجل انتهى ذكر الإنسان، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة. فالله عز وجل جعل هذا المنسك للحجاج وغير الحجاج، وأساساً مشاركة غير الحاج للحاج عن طريق الأضحية. الحاج يضحي ويقدم هذا الهدي إلى الله عز وجل، وغير الحاج الذي لم يتح له أن يحج بيت الله الحرام، فلا أقل من أن يقلد الحاج في هذا الكبش الذي يقدمه هديةً لله عز وجل تعبيراً عن شكره.
إذاً هو اسمه هديّ، لأنه هدية، واسمه أضحية، استنبط بعض العلماء من التسمية الثانية أن الإنسان عليه أن يضحي بكل غالٍ ورخيص ونفسٍ ونفيس في سبيل الله عز وجل.
فهي من جهة تعبر عن التزامه بالشرع، والإنسان عندما يستقيم يهتدي ويلتزم بأمر الله ونهيه، معنى هذا أنه ضحى بشهواته المنحرفة وانضبط بالشرع، فالتعبير عن أن الله عز وجل أعانه على أن يستقيم على أمره، هذه الأضحية، وهي هديٌ، وهدية إلى الله عز وجل، فيها شكرٌ وفيها توسعة على النفس، والأهل، والأصدقاء، والفقراء.
وكما قلت لكم مرةً ثانية: هناك من يجتهد اجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان، يدفع مالاً، ادفع المال ولك أجرٌ كبير، لكن في الأضحية بالذات ذبح الهدي وتقديم اللحم للفقراء أفضل بكثير من دفع ثمنه للفقراء، لأنه اللحم إذا قدم للفقراء لابد من أن يصل إلى أفواههم وأفواه أولادهم، وهذا عملٌ طيب نرجو الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا فعله.
والحمد لله رب العالمين
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي