تاريخ النشر: 2015/06/23 - 07:51 صباحا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نَبِيِّنَا مُحمَّدٍ وعَلى آلهِ وصَحْبِهِ أَجمعينَ.
أَيُّها الآبَاء الكِرَامُ، أَيَّتُها الأُمَّهَاتُ الكَرِيمَاتُ
ها أَنتم تَرونَ أولادَكُم –مَنْ بَنينَ وبنات- يَكبرونَ أمامَكم. فبارَكَ اللهُ لكم فيهم، ورَزَقَكُم بِرَّهم.
حديثي معكم عَن الصِّغَارِ مِنهم، مِمَن لم يَتجاوزوا الثَّانِيَةَ عَشرةَ مِن أعمارِهم.
ستكونُ هذه الكلماتُ مختصرةً، ولنْ تَأخُذَ إلا القليلِ مِنْ وَقتِكُم، ولعلَّها أنْ تُقدِّمَ المفيدَ إنْ شَاءَ اللهُ.
أَطفَالِي لا يَصُومُونَ!
أَيُّهَا الوالدانِ الكَرِيمَانِ: الأَطفَالُ الصِّغَارُ لا يَجبُ عَليهم الصِّيَامُ إلا إذا بَلَغُوا. أمَّا قَبلَ البُلوغِ فإنَّهم يُدَرَّبونَ فَقَط.
ولعلَّكُم تَرَوْنَ حَولَكم أَطفالاً صِغَارًا يَصُومون، فتُقارِنونهم بأَطفالِكم!
لا تَفعَلُوا؛ لأنَّ الأَطفالَ تَختلفُ قُدراتُهم على الصِّيامِ. كمَا أنَّ أولئكَ الأَطفالَ الصَّائمينَ قد يَكونونَ تَمرَّنُوا على الصِّيامِ في فَتراتٍ سَابقةٍ، أو يُطبِّقُ معهم أهلُهم أَساليبَ أنتم لا تَتَّبِعُونها في تَربيتِكُم لأطفالِكم.
ماذا أَفعلُ كَي يَصومَ أَطفالِي؟
سَنعرِضُ هنا بَعضَ الأَفكارِ التي تُساعِدُكُم على أنْ يحرصَ أطفالُكم على الصِّيَامِ.
• الحديثُ عَنْ رَمَضَان: مِن الأُمورِ التي تجعلُ الأطفالَ يتحمَّسونَ للصِّيامِ: الحديثُ عنْ رَمَضَانَ، وما فيهِ مِن ذكرياتٍ جميلةٍ، والأحداث التي تَعرَّضتُم لها أثناءَ الصَّيامِ. وإِشعَارُهم بالأجواءِ الرَّائعةِ لأيامِهِ ولياليهِ. حدِّثُوهم كيفَ كُنتم تَصومونَ، وماذا كُنتم تَعملونَ في نَهارِ رَمَضَانَ، وَعن لحظاتِ انتظارِ مدفَعِ الإفطارِ، والاجتماعِ على المائدةِ، والأَجواءِ الجميلةِ لصَلاةِ التَّرَاوِيحِ والقِيَامِ آخِرَ الليلِ، ومَواقفَ السّحورِ، والأَلعابِ التي تُمارسُ في رَمَضَانَ. بَلْ يُمكنكم تَشويقُهم –حتى- بالحديثِ عن الأَكلاتِ التي اعتَادَ النَّاسُ أنْ تكونَ خاصَّةً بشَهرِ رَمَضَانَ.
عندَما تَنبشُونَ في الذَّاكِرةِ ستجدونَ الكثيرَ. هذهِ الذِّكرياتُ مؤثِّرَةٌ، فلا تَستَهِينُوا بها!
• إيقَاظُ الطِّفلِ على السّحورِ: مما يُشجِّعُ الأطفالَ على الصِّيامِ إيقاظُهم لتناولِ السّحورِ، فهذا يُشعرُهم بأهميتِهم، ويُعزِّزُ حُبَّ الصِّيامِ في قلوبِهم. ولعلَّكُم تُلاحظونَ أنَّ الاستيقاظَ للسّحورِ يكونُ في أحيانٍ كثيرةٍ مجالاً للتَّنافُسِ بين الأطفالِ حتى وإنْ لم يَكونوا يَصومُون. شَجِّعُوا هذا التَّنافُسَ –والتَّنَافُسُ يختلفُ عن المقارَنةِ-؛ لأنَّه تَدريبٌ لهم، وذكرياتٌ جميلةٌ تَبقى في أَذهانِهم. واحرصُوا أنْ يكونَ هذا الاستيقاظُ محبَّبًا إلى نفوسِهم. ومن الأفكارِ التي تُساهِمُ في ذلكَ أنْ يُصاحِبَ السّحورَ بعضُ المأكولاتِ التي يُحبُّها الأطفالُ، أو أنْ يَحْظَوا بلحظاتٍ مِن المرحِ معكم، مثل أنْ تَلعَبُوا معهم قبلَ السّحورِ أو بَعدَه، أو أنْ تَقصُّوا عليهم بعضَ الحكاياتِ، فيكون ذلكَ نوعًا مِن المكافأةِ لمن استيقظَ وقتَ السّحورِ.
• المُكَافأةُ: عندما نُعطِي الطفلَ مكافأةً على السُّلوكِ الإيجابيِّ فإنَّنا نعزِّزُ مِنْ هذا السُّلوكِ في نفسِهِ. والمكافأةُ لها مفعولُها الكبيرُ في نفوسِ الصِّغارِ والكِبارِ على حَدٍّ سَوَاءٍ. فَالطِّفلُ الصَّائمُ عندما ينالُ مكافأةً على صِيامِهِ فإنَّه سيَحرصُ على مُواصَلَةِ الصِّيامِ.
والمكافأةُ ليسَ بالضَّرورةِ أنْ تكونَ مالاً، فرُبَّما تَكونُ هَدِيَّةً يَرغبُ الطِّفلُ في الحصولِ عليها، أو تكونُ مُصَاحَبَةَ الطِّفلِ لوالدِهِ عندَ الذهابِ إلى مكانٍ يرغبُ الطِّفلُ في الذهابِ إليه.
والمكافأةُ تختلفُ مِن طفلٍ لآخرَ.
وهذا لا عَلاقَةَ لَهُ بموضوعِ إِخلاصِ العملِ للهِ عزَّ وجلَّ، فَاللهُ جَعَلَ المكافَآتِ للمؤمنينَ على نَوعينِ: منها ما هو دُنيَوِيٌّ (عاجِلٌ محسوسٌ) ومنها ما هو أُخرَوِيٌّ (آجِلٌ غَيْبِيٌّ). أمَّا الطِّفلُ فهو يَهتمُّ للمكافأةِ العاجِلةِ المحسُوسَةِ.
• الثَّنَاءُ: مَدْحُ الطِّفلِ يحقِّقُ لهُ جانبًا مُهِمًّا مِنْ حاجاتِه النَّفسِيَّة، وهو التَّقدِير. وأنتم تُلاحظونَ تَفاعلَ الأطفالِ وحماستَهم عندَ الثَّناءِ عليهم، حتى عندَ قِيامِهم بأشياء يَسيرةٍ.
عندَما يَشعرُ الطِّفلُ أنَّ صيامَه محلَّ اهتمامِ وتقديرِ الآخرينَ فهذا حافِزٌ مَعنويٌّ كبيرٌ بالنسبةِ لهُ. والمطلوبُ مِنَّا ألّا نَغفَلَ عن هذا.
والثَّناءُ قد يكونُ للطِّفلِ مَباشرةً، أو يكونُ أمامَ الآخرينَ والطِّفلُ يَسمعُ، وكذلكَ قد يُشارِكُ الآخرونَ في الثَّناءِ على الطِّفلِ. وأيضًا يكونُ الثَّناءُ على الطِّفلِ أمامَ أَقرانِه، لِيَشعُرَ بالفَخْرِ أمامَهم.
ورُبَّما يكونُ الثَّناءُ مَصحُوبًا بالدُّعاءِ، أَو بلَقَبٍ (بَطَل، صَبُور، قَوِيّ)، أو بعِبَارَاتٍ تُشجِّعُهُ على الصِّيامِ، مِثل: (فُلان صَامَ اليومَ، وسَيَصُومُ بَقِيَّةَ رَمضَان) وبالنِّسبَةِ للصِّغَارِ جِدًّا (فلانٌ صَامَ اليومَ إلى الظُّهْرِ، وسيَصُومُ مُستقبلاً إلى المغربِ)
• مُصاحبةُ الطِّفلِ إلى المَسجدِ: مِن الأجواءِ الرَّمَضَانيَّة الرائعةِ المكُوثُ في المسجدِ لقراءةِ القرآنِ الكريمِ أثناءَ النَّهارِ -في الأوقاتِ المتَاحَةِ، وغالبًا بَعْدَ صَلاةِ العصرِ- وهذا يُحقِّقُ عددًا من الفوائدِ:
منها: تَعلُّقُهُ بالمسجدِ، لأنَّ الطِّفلَ سيتعايشُ مع هذهِ اللحظاتِ التي يَقِلُّ فيها الناسُ، فيكونُ ذلك فُرصةً للتَّأمُّلِ، فيَشعرُ بالسَّكِينَةِ والطُّمأنينَةِ في المسجدِ، مما يدْعُوهُ للمحافظَةِ على الصَّلواتِ.
ومنها: أنَّه سيُمضِي جُزءًا مِن الوقتِ يَنسى معه الجوعَ والعَطَشَ.
ومنها: أنَّه سَيَقرأُ القرآنَ الكريمَ، ورُبَّما يكونُ قريبًا مِن والدِهِ، ويَطلَب مِن الدِهِ تَصحيحَ بَعضِ الأَخطاءِ.
ومنها: شُعورُ الطِّفْلِ بِعُمْقِ المحبَّةِ بينَهُ وبينَ والدِهِ.
وهذهِ الفوائدُ وغيرُها تجعلُ الطِّفلَ أكثرَ حُبًّا للصِّيَامِ وأكثرَ حِرْصًا عليه.
• مُشارَكَةُ الطِّفلِ في إِعدادِ الفُطورِ والسّحورِ: وليسَ المطلوبُ مِن الطِّفلِ أنْ يُمارِسَ الطَّبخَ، وإنَّما مجرد مُشاركاتِه في إعدادِ ما يستطيعُ يُكسِبُه الكثيرَ من المشاعِرِ الإيجابِيَّةِ، فهو يَشعرُ بقربهِ مِن والدتِهِ على وجهِ الخُصُوصِ، كما أنَّهُ يَتحمَّلُ مَسؤوليَّةَ بَعضِ الأعمالِ اليسيرةِ.
ومِن الأمورِ التي يُشاركُ فيها الأَطفالُ -دُونَ ضَرَرٍ- تَوزيعُ الأطباقِ ونقلُها، أو صَبُّ العَصيرِ والماءِ، أو أيُّ أعمالٍ أُخرى يَسعَدُ الطِّفلُ بها بِشَرط أنْ تَكونَ تحتَ إشرافِ الأُمِّ مباشرةً.
هذهِ المشارَكةُ مِن الطِّفلِ تَجعلُهُ يَشعرُ بالأهميَّةِ، وتَجعلُ الصَّومَ مُحبَّبًا إلى نفسِهِ، خَاصَّةً إذا كانتِ الأُمُّ أَثناءَ عَمَلِهما مَعًا تحدِّثُهُ عن الصِّيامِ، وتشجِّعُه عليهِ، وأنَّها ستقدِّمُ المأكولاتِ التي يُحبُّها إذا وَاظَبَ على الصِّيامِ.
• وجودُ الطِّفلِ على مَائدةِ الإِفطارِ: اجتماعُ أفرادِ الأُسرةِ على المائدةِ -ومنهم الأطفال- هو أحدُ العواملِ المؤثِّرةِ في تحبيبِ الصِّيامِ للأطفالِ. هذهِ اللحظاتُ عامرةٌ بمشَاعِرَ فيَّاضَةٍ خَاصَّةً إذا ارتَبطَ بها أدعيةٌ أو أذكارٌ أو استِماعٌ للقرآنِ الكريمِ، أو حديثٌ ودِّيٌّ حَانٍّ مِن الوَالِدينِ عن الصِّيام. بلْ إنَّ مجردَ انتظارِ الأَذانِ، ثُمَّ الفَرحَ بِسَمَاعِه، وتَناولِ الرُّطَبِ أو التَّمرِ كُلُّ هذا يُعزِّزُ الجانبَ الإيمانيَّ، ويُقوِّي حُبَّ الصِّيامِ في نفوسِ الأطفالِ.
بعضُ النَّاسِ يُفوِّتُ على نفسِهِ وأطفالِه هذهِ الفُرصةَ بِإدْمَانِ مُشاهَدةِ التلفزيونِ وقتَ الإفطارِ. وهؤلاءِ -الآباءُ الكرامُ والأُمَّهاتُ الكَريماتُ- نَدعوهم إلى اغتنامِ دقائقَ معدودةٍ –وقتِ الإفطارِ- بدونِ تلفزيونٍ لتحقيقِ جَوانبَ تربويَّةٍ كبيرةٍ.
• تَسلِيَةُ الطِّفلِ، وإشغَالُ وقتِهِ: بعضُ المتحمِّسينَ يَنصحُ بأن يُمضي الطِّفلُ الوقتَ كُلَّهُ في قراءةِ القرآنِ الكريمِ والأذكارِ!، وبعضُهم يقترحُ أجواءَ فيها مِثَالِيَّةٌ زَائدةٌ.
أَيُّها الوالِدانِ الكريمانِ: نحنُ نَتحدَّثُ عن طِفلٍ صغيرٍ يُريدُ ما يُشغِلُهُ عن الأكلِ والشُّربِ. وأنتم تُلاحظونَ أنَّ الأطفالَ أثناءَ لَعِبِهم لا يَهتمُّونَ للأكلِ، أمَّا عندَما يُطلبُ منهم أَداءُ واجبٍ مِن الواجباتِ فإنَّهم يتَمَلْمَلُونَ من الضِّيقِ والضَّجَرِ، وهذا يجعلُهم يَتحجَّجونَ بأنواعِ الحُجَجِ، فإذا اقتَرَنَ ذلكَ بالصِّيامِ، فسيكونُ موقفُهم من الصِّيامِ سَلبيًّا.
المطلوبُ أنْ نراعيَ طبيعةَ الطِّفلِ واحتياجاته، وأنْ يكونَ جزءٌ مِن وقتِهم مَشغولاً بالتَّسلِيَةِ والمرَحِ. ويمكنُكم إيجادُ الكثيرِ من الأفكارِ –مثل المسابقاتِ والألعابِ المنزليَّةِ- التي تجعلُ الصِّيامَ للأطفالِ ممتعًا، دونَ جوعٍ أو عطشٍ.
وإذا لمْ يَصُمْ أطفالي؟!
في هذهِ الحالِ ارجعوا إلى فقرةِ \"أطفالي لا يَصُومُون!\" واقرأوها مَرَّةً أُخرى.
أطفالُكم لا يجبُ عليهم الصِّيامُ. لكنَّكم تُدرِّبونهم، وهذا التَّدريبُ سيكونُ لهُ أَثَرُه مُستقبلاً إنْ شَاء اللهُ.
فأنتم قدْ نَجَحْتُم في تَدريبِهم!
لا تَقارِنوا أنفسَكم -ولا أطفالَكم- بالآخَرينَ، أنتم تحقِّقونَ النَّجاحَ بما يَتوافقُ مع طَبيعةِ تَربيتِكم لأطفالِكم.. فلا تَشعُروا بالحَرَجِ لأنَّ أطفالَكم لم يَصومُوا.
طِفلي لا يَصومُ، هل أُعاقبُه؟!
مُعاقبةُ الطِّفلِ –حِسِّيًا أو معنويًّا- على عدمِ الصِّيامِ خَطَأٌ فَادِحٌ –من الناحيتينِ الشَّرعيَّة والتَّربويَّة-، والواجبُ على الوالِدَينِ عدمُ اللجُوءِ إلى مُعاقبةِ الطِّفلِ إذ لم يَصُمْ، لأنَّ العُقوبةَ تجعلُ مَوقفَهُ من الصِّيَامِ سَلبيًا، ويَرتبطُ الصِّيامُ في ذِهنِهِ بتجرُبةٍ مُؤلمةٍ. بينما المطلوبُ أنْ يكونَ الصِّيامُ مُرتَبطًا بتجاربَ ومواقفَ سَارَّةٍ.
وكذلكَ إذا اكتَشَفَ الوالِدَانِ أنَّ الطِّفلَ الصَّائمَ أَكَلَ خفيَةً، فلا يُعاقِبانِهِ، بل يَستخدمانِ معَهُ الأساليبَ التَّربويَّةَ، فيَقبَلانِ عُذْرَه، ويتلطَّفانِ معه، ويُشعِرَانِهِ بأنَّهما يَفرحانِ بصومِهِ، ويُحزِنُهما أنَّه لم يَستَطِعْ المواصَلةَ، ثُمَّ يُشجِّعَانِهِ، ويَعِدَانِهِ أنْ يُقدِّما لَهُ المساعَدةَ بتوفيرِ أَجواءٍ مُريحةٍ ومُمتعةٍ تُسهِّلُ عليهِ الصِّيامَ، مِن خِلالِ استخدامِ بعضِ الأفكارِ السَّابقةِ.
أَيُّها الأَبُ الكريمُ، أَيَّتُها الأُمُّ الكريمةُ: أَشكركما أنْ مَنحتُمَانِي هذا الجزءَ مِن وقتِكم لقراءةِ هذهِ الكلماتِ.
وأسألُ اللهَ عزَّ وجَلَّ أنْ يَجعلَ فيها النَّفعَ، وأنْ يَكتبَ لَنَا ولَكُم الأَجرَ.
ومَا كانَ فيها مِن صَوابٍ فَمِنَ اللهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وما كانَ فيها مِنْ خَطَأ فَمِنْ نَفْسِي ومِن الشَّيطان، واللهُ ورسولُهُ –صلَّى الله عليه وسلَّم- بَريئَانِ مِما أَقولُ.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.